Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genre-genre
وعلى أية حال فإن انتقال مدن الحكم لم يؤثر على الفسطاط؛ بل إن عمرانها امتد ليلتحم تدريجيا مع العسكر والقطائع، وربما كان هناك سور يلف بهم وأبراج دفاعية خاصة في موقع القاهرة الفاطمية حيث كان المكان يسمى: القلعة أو الطابية للدفاع عن المدينة الكبيرة من جهة الشمال.
ولأن القطائع كانت أول عاصمة مصرية مستقلة عن الخلافة العباسية، وغالب الضرائب
29
كانت تصرف فيها لتحسين أحوال الدولة الطولونية، فقد اتسمت القطائع بالثراء الفاحش المتمثل في قصر أحمد بن طولون، وبالذات قصر ابنه خمارويه، وضخامة جامعه الكبير الذي وصل إلينا تقريبا على معماره القديم، وحفر قناطر - قناة - ابن طولون تجلب الماء من بركة الحبش إلى القطائع؛ حيث إن المدينة كانت تقع على مبعدة واضحة من النيل ومسار الخليج، ولأن القطائع كانت أيضا على مناسيب أرضية مرتفعة - الكبش ويشكر - فلا بد أن نتصور أن مياه بركة الحبش كانت ترفع بوسائل ذلك العصر - غالبا سواق - إلى تلك القناة.
ولا بد أن الثراء لم يقتصر على القطائع، بل امتد ليشمل بدرجات مختلفة سكان الفسطاط والعسكر، وزادت بذلك فنون العمارة، وفنون هيدروليكية المياه في صنع النوافير وري البساتين وصناعات الأخشاب، وفنون الحفر على الخشب والخزف والمنسوجات، وصناعة السلاح للجيش الطولوني الكبير، والمشغولات المعدنية، وصك العملات المعدنية، وصياغة الذهب والأحجار الكريمة التي هي دائما من متطلبات حياة الترف والثروة والازدهار. ومعظم هذه الصناعات كانت في الفسطاط والعسكر، وفي هذه الفترة أنشئ أول «مارستان» - مستشفى - بمصر الإسلامية على نحو ما كان في بغداد. وبطبيعة الحال تطور الطب والتمريض تطورا حسنا، واختصارا كان الرخاء يعم مصر خلال الحم الطولوني القصير (868-905م).
وقد استمر الرخاء طوال عصر الإخشيد وكافور الذي زادت فيه البساتين، وبخاصة بستان الإخشيد الذي عرف فيما بعد باسم: كافور، الوصي على أبناء الإخشيد والحاكم الفعلي، وهو الذي كان يقع شرقي الخليج جنوب ما نعرفه الآن باسم باب الشعرية الحالية،
30
والذي ضم بعد ذلك إلى مجموعة القصور كبستان للقصر الغربي الصغير للخلفاء الفاطميين. (3-2) القاهرة الفاطمية والمملوكية
ما سبق أن ذكرناه عن الفسطاط والعسكر والقطائع قد اندثر، ولم يبق من شواهد عليه سوى جملة آثار على رأسها الخليج وجامع عمرو وجامع ابن طولون، وحتى هذه الآثار نالت منها يد الزمن بين الدمار وإعادة البناء في عصور لاحقة. أما ما تزهو به القاهرة الآن كعاصمة مصرية إسلامية فإنما يعود أساسا إلى بناة القاهرة من فاطميين وأيوبيين ومماليك.
والكتابات عن القاهرة خلال عصور الفاطميين والأيوبيين والمماليك كثيرة، ولا يسعنا إلا أن نحيل القارئ الراغب في الاستزادة إلى عشرات من هذه الكتابات ألفها عرب وفرس وترك، وعدد آخر من الأوروبيين في شتى فنون الكتابة في تاريخ حياة المدينة: تجارة واقتصاد وثراء بالغ، ومسح الأراضي الزراعية، وتحديد أنواع الضرائب والتعسف في جمعها واقتران الضرائب بوفاء فيضان النيل، وتاريخ ثورات الفلاحين على أشكال من الضرائب وطريقة جمعها، والفتن الطائفية، والتاريخ العسكري المصري في صد الصليبيين والمغول، أو تقلب ولاء العسكر من زنج وترك وأكراد ومغاربة وعرب وشركس بين سلطان وآخر يسعى للسلطنة، ومعارك المماليك فيما بينهم لأسباب اجتماعية وأحقاد شخصية ... إلخ. (3-3) بناة القاهرة
Halaman tidak diketahui