Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genre-genre
مثل هذا النشاط التجاري عبر عنه ناصري خسرو أيضا بازدحام ميناء الفسطاط، وامتداد طويلا مع صف من الدكاكين والوكالات التجارية العاملة في تجارة الجملة، وكان هناك مكتب للجمارك؛ فالمستورد من السلع لا يدفع عنه إلا القليل؛ لأنه سبق معاملتها جمركيا في المواني، بينما تفرض المكوس على السلع الواردة من ريف مصر وصعيدها وبخاصة الحبوب.
ولا شك في أن ميناء المقس كان منافسا حقيقيا لميناء الفسطاط حينما زار ابن بطوطة القاهرة في عز ازدهار سلطنة المماليك.
وربما ترتب على حفر الخليج الناصري
25
زيادة جريان الماء في الخليج بصفة عامة قريبا من العمران في القاهرة وضواحيها الشمالية والغربية؛ فإن عدد السقائين قد أصبح أقل عما كان عليه فترة زيارة ناصري خسرو للقاهرة الفاطمية، ولكننا لا نفهم سبب انكماش عدد حمير الركائب الأجرة إلا إذا كان القاهريون من الثراء بحيث أصبح للأسر الموسرة ركائب خاصة، وبالمناسبة فإن الخيول قد شاعت كوسيلة انتقال للفرسان المماليك، وربما ترتب على ذلك انتشار نمط عربة الكارو التي تجرها الخيول غير مميزة النسب أو الخيول كبيرة العمر كوسيلة لنقل البضائع بديلا للجمال ونقل النساء بديلا للحمير، ومن هنا كان الثراء الكبير الذي أثار دهشة الرحالة الذين زاروا القاهرة عربا كانوا أو عجما أو أوروبيين.
صحيح أن الخليج كان يتأرجح بين العناية والإهمال المقصود، غير أنه منذ البداية العربية كان ضرورة حتمية لنقل الغذاء والمؤن من مصر إلى المدينة المنورة قاعدة الحكم العربي الأولى، وفي ذلك كتب الأثري علي بهجت:
26
أمر عمر - رضي الله عنه - عمرو بن العاص بحفره، فساقه من النيل إلى بحر القلزم فلم يأت عليه الحول حتى سارت عليه السفن، وحمل فيه ما أراد من الطعام إلى مكة والمدينة ... فسمي خليج أمير المؤمنين ... وجاء في «المقريزي» أن السبب في حفر خليج القاهرة أن أهالي المدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر، فكتب إلى عمرو: أما بعد؛ فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، أن أهلك أنا ومن معي. فكتب إليه عمرو: أما بعد؛ فيا لبيك ثم يا لبيك، قد بعثت إليك بعيرا أولها بالمدينة وآخرها بمصر عليه الطعام. بعد ذلك كتب إليه عمر أن احفر خليجا من نيل مصر حتى يسيل في البحر؛ فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ به ما نريد ... تباطأ عمرو ... [فتوعده عمر] فعرف عمرو أنه الجد من عمر - رضي الله عنه - ففعل.
الملاحظ من هذا النص عدة أمور تشهد بالحنكة السياسية للخليفة عمر بن الخطاب؛ أولها: المفاضلة بين النقل بالإبل والبحر، فالسفينة، على صغرها آنذاك، أكثر حمولة من عدد كبير من الإبل، كما أنها أسرع إذا صادفتها الرياح المساعدة. والأمر الثاني: رغبة الخليفة في إنشاء نظام اقتصادي داخل الدولة الجديدة يتم بمقتضاه انتقال الغذاء والأموال من الولايات المنتجة إلى مركز الحكم في المدينة المنورة والولايات المجدبة، ويرتبط بذلك تكرر حدوث المجاعة أو ما يشبهها في الحجاز، وأقرب العون هو من مصر، وقد ظلت مصر كذلك قرونا طوالا بالنسبة للحجاز. (2-7) الفسطاط والبيئة
لم يكن كل من كتبوا عن الفسطاط من المادحين؛ بل كانت هناك بعض الملاحظات القادحة المليئة بالكثير من التحامل كما ذكر المقريزي. لكننا نرى أن جانبا من إظهار مساوئ مدينة هو عمل موضوعي إذا لم يكن وراءه مقاصد شخصية، أو تحدوه رغبة انتقام لتصادف معاملة أو حادث سيئ.
Halaman tidak diketahui