Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genre-genre
إن الموقع الذي اختير لا يجعل هناك سوى طريق واحد إلى مدينة المقطم، وبذلك تخلق عنق زجاجة لشدة الحركة على هذا الطريق - فيما لو عمرت عمرانا كثيفا - ومع قلة الحركة اليوم فإن الطريق يحتاج إلى صيانة مستمرة مكلفة بالإضافة إلى احتمالات كبيرة للحوادث. (3)
إن الشعور بأن هناك طريقا واحدا يخلق إحساسا بأن الإنسان سكن «حارة سد» وهو إحساس مضايق بدون شك. (4)
إن الموقع الذي اختير يشرف على منظر لا يحب الإنسان أن يكرر رؤيته كل يوم، فهو يشرف على «القرافة الكبرى» على حد تعبير المقريزي؛ مقابر الإمام الشافعي والبساتين الممتدة قرابة أربعة كيلومترات تحت المقطم مباشرة. (5)
إن الطرق الأساسية التي تقود من المدينة إلى المقطم تمر بأكثر مناطق القاهرة ازدحاما وضيقا بالحركة: «شارع محمد علي وميدان العتبة»، أو تقود إلى منطقة خالية من الخدمات برغم اتساع الشارع: «فم الخليج»، أو إلى منطقة خدمات محلية في مصر الجديدة. (6)
ليس بالمقطم خدمات محلية إلا في صورة محدودة جدا، وخاصة خدمات التعليم. (7)
مدينة نصر منافس خطير من حيث الموقع والموضع والمساحة المخصصة للامتداد، من حيث المواصلات والخدمات.
ولكن تزويد المقطم بطرق حركة إضافية يمثلها أساسا طريق أوتوستراد حلوان، وطريق الهضبة الوسطى، وطريق إلى شرق المدينة عند مساكن الزلزال قد أعطى للمقطم أخيرا دفعة قوية للنمو العمراني؛ فمن خلال هذه الطرق - وما يستجد مستقبلا من طرق صوب الطريق الدائري - أصبح للمدينة اتصالات سريعة بمدينة نصر والمعادي وما فيهما من الأسواق، فضلا عن بدايات نمو سوق داخلية وخدمات تعليمية. وكذلك كان لتعديل حركة المرور في طريق صلاح سالم والقلعة أثره في ازدياد اقتراب المدينة من وسط البلد، ولكن ما زال الطريق الرئيس يعاني من حدة زوايا الانحدار وضيق الملفات، ويحتاج إلى تعديلات لكي يصبح مأمونا.
ولأننا لم نعتد البناء في مناطق المنحدرات الجبلية، فقد حدثت أخطاء كثيرة عن حسن نية؛ فقد كان كورنيش المقطم والشوارع حوله مطلبا مقصودا للسكن الفاخر الحدائقي من أجل لمسات جمالية في البيئة الصخرية. لكن نقص الدراسات عن ميكانيكية التربة والصخر، وما يعتريه من خطوط انكسار، واتجاهات انحدار، ونقص الصرف الصحي كانت لها آثارها المهددة بالمخاطر الشديدة. فإن تسرب المياه تحت السطح قد أدى إلى تآكل وانهيار صخور الحافة في حوادث مأساوية، ومن هنا بدأ الناس في إدراك أن التعدي على البيئة بصورة جائرة له مخاطر مهلكة، ولا شك في أن منطقة المقطم لها ميزات وفضائل على رأسها الانخفاض النسبي في درجة الحرارة، والتي يزيد إحساسنا به حركة الهواء الحر في صورة نسائم مستمرة، وهو ما نفتقده في الكثير من أحياء القاهرة؛ لكثرة العمائر التي تعوق مسرى الرياح في اتجاه، وتجعله قويا غير مرغوب في اتجاه آخر، والشيء الآخر الذي تتمتع به مدينة المقطم حتى الآن هو قلة تلوث الهواء لقلة السكان وحركة السيارات، ولكن تلك الميزة قد تفقد في حالة زيادة السكان والسيارات، أو زيادة السيارات لأبناء الأسر الغنية والمتوسطة، وهي الظاهرة الاجتماعية الحديثة في مصر، والتي معها تتناقص الميزة الثالثة للمقطم، وهي: الهدوء وقلة التلوث!
وخلاصة القول: إن التخطيط الجاد قد انتهى إلى الاهتمام بعودة النمو المديني للقاهرة مرة أخرى إلى مجال ومحور النمو الطبيعي؛ أي إلى الشمال الشرقي محاذية حافة المقطم،
16
Halaman tidak diketahui