وتصاعدت أصوات الاستحسان، ودارت العيون تتصيد الأحباب، وتناول أحمد عاصم آلته ولعب بها وهو يتمايل على مقعده مع أنغامها الراقصة، ونهض الجميع للرقص إلا إحسان ومحجوب اللذين يجهلانه، وعفت بك الذي آثر أن يجلس إليهما. وجعلوا يشاهدون الراقصين في صمت وإعجاب، ثم أعلن عفت بك إنكاره لجهلها الرقص، وقال لإحسان: سأعلمك الرقص؛ فإنه لا يجوز أن تجهليه ... ما رأيك؟
فتمتمت وعيناها لا تفارقان الراقصين: لا أدري. - غريب من يجهل الرقص في الحفلة الرائعة، أليس هذا رأيك يا محجوب بك؟
فشعر محجوب بالخطر المحدق به، وأراد أن يزوغ منه، فقال بعدم اكتراث: لا أظن ...
فضحك عفت ضحكة عالية وقال: يا لها من أسرة من صميم القرن التاسع عشر ...
وضحكت إحسان لضحكه وقالت: قد نتتلمذ لك يوما ما ...
فلاح الحماس في وجه الشاب وقال بسرور فياض: في أي وقت تشائين ...
ولازم محجوب الصمت متظاهرا بالاهتمام بمراقبة الراقصين، وهو يكظم حنقه وثورته. إن الشاب الأحمق التياه بجماله يتحفز للانقضاض على عرضه، وإنه لفاعل إذا وجد غرة، ولكن هيهات أن ينهزه فرصة؛ فليس لأحمق مثله أن ينبت في رأسه قرنا جديدا ... لقد وهب رأسه للقرون الذهبية، قرون المجد والسلطان، ولكن ترى هل تستجيب لغزله؟ هل تلين هذه الفتاة الغامضة الفاتنة؟ وأحس أنياب الغيرة السامة تنهش صدره.
ورقص الراقصون حتى أدرك أحمد عاصم التعب - أو الملل - فكف عن اللعب، وانفرط عقد المتجاذبين، فعادوا إلى جلستهم الأولى مشرقة وجوههم بالابتسام. وكان البدر قد علا في السماء وانسكب نوره إلى مياه النيل المتموجة، فتقاذفته ونشرته كاللؤلؤ يخطف الأبصار. وتساءل البعض: متى نفتح البوفيه؟
فرد عليه قرين: ليس قبل أن يرسو اليخت إلى شاطئ الحديقة يا جائع؟
فقال آخر: هل لكم في لعب الورق؟
Halaman tidak diketahui