لغطت ألسن الناس في هذه الأيام بأصل الوهابية وتاريخهم ومعتقداتهم، وتناقضت الروايات وكثرت التخرصات، والقوم بين مفرط في التشيع لهم ومفرط في التشنيع عليهم، وود الكثير لو كان في الأيدي ما يستند عليه لاستقراء الحقيقة، واستجلاء الغامض من هذا السر، وما عاد إلى ذلك إلا اختلاط المتمسكين بذاك المذهب مع أهل الأمصار، كالقطر العراقي والمصري والشامي، وغيرها من الأقاليم يتجرون بنتائج بلادهم، من سمن، وأباعر، وشياه، وأوبار وجلود تجارة رائدها الصدق في التعامل مع الكافة، مما ضاعف الثقة بهم على تطاول الأيام.
وبعد، فإني لا أتوخى في هذه العجالة الإلمام بعقائد تلك الطائفة لتأتي صبرة واحدة، فإن كتبهم المطبوعة أكثرها في بلاد الهند، تتكفل بذلك لمن يروم الاستبقاء، ولا أن أصف بلادهم وأحوالهم وصف مداح متجامل أو قداح متحامل، بل غاية ما أتطال إليه ذكر طرف من أخبارهم، مشفوعة بصحة النقل، والناقل لا تبعة تلحقه إذا خلصت منه النية.
قال الجبرتي في تاريخه عجائب الآثار عند حوادث سنة 1218 هجرية ما نصه: وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة؛ هروبا من الوهابي، ولغط الناس في خبره، واختلفوا فيه، فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا، وهم المكيون ومن تابعهم وصدق أقوالهم، ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه، وأرسل إلى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فقد قال الله تعالى:
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ، وقال الله تعالى:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ، وقال تعالى:
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، وقال تعالى:
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه أكمل الدين، وأتمم على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم
وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا، وترك البدع والتفرق والاختلاف، وقال تعالى:
Halaman tidak diketahui