انهزم المسلمون في يوم المصاف الأكبر بمرج عكا، حتى القلب ورجاله، ووقع الكوس والعلم، وهو ثابت القدم في نفر يسير، فانحاز إلى الجبل يجمع الناس، ويردهم ويخجلهم حتى يرجعوا، ولم يزل كذلك حتى عكس المسلمون على العدو في ذلك اليوم، وقتل منهم زهاء سبعة آلاف ما بين راجل وفارس، ولم يزل مصابرا لهم، وهم في العدة الوافرة إلى أن ظهر له ضعف المسلمين فصالح وهو مسئول من جانبهم، فإن الضعف والهلاك كان فيهم أكثر، ولكنهم كانوا يتوقعون النجد والمسلمون لا يتوقعونها، وكانت المصلحة في الصلح.
ولقد كان بركب للحرب وهو على غاية المرض كما فعل يوم عكا، وقد اعترته دمامل ظهرت عليه من وسطه إلى ركبته بحيث لا يستطيع الجلوس، وكان مع ذلك يركب من بكرة النهار إلى صلاة الظهر يطوف على الأطلاب، ومن العصر إلى صلاة المغرب وهو صابر على شدة الألم وقوة ضربات الدمامل، وكان يعجب من ذلك فيقول: إذا ركبت يزول عني ألمها حتى أنزل.
ومع كل هذه الصفات التي نعدد منها ولا نعدها لكثرتها وإجماع المؤرخين من العرب والإفرنج عليها، كان السلطان حسن العشرة، لطيف الأخلاق، طيب الفكاهة، حافظا لأنساب العرب ووقائعهم، عارفا بسيرهم وأحوالهم، حافظا لأنساب خيلهم، عالما بعجائب الدنيا ونوادرها، بحيث كان أصحابه يستفيدون في محاضرة منه ما لا يسمعون من غيره، وكان يستحسن الأشعار الجيدة، ويرددها في مجالسه، وكثيرا ما ينشد قولهم:
وزارني طيف من أهوى على حذر
من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحا
وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تخيل لي
نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
وكان يعجبه قول ابن المنجم في خضاب الشيب:
Halaman tidak diketahui