بين ما كان مقتضى تكليف المنكر على طبق تكليفهما أو لم يكن له تكليف ظاهري أصلا بأن لا يكون مقلدا ولا مجتهدا وبين غير هما فيجوز في الأول دون الثاني وجوه من أن كل شخص مكلف بما يؤدي إليه نظره ما لم يحكم الحاكم على خلافه فيعمل به وان استتبع إلزاما بحسب الواقع على الغير ومن انه لا دليل على جواز إلزام الغير بمقتضى تكليف النفس غاية الأمر جواز العمل عليه بالنسبة إلى الآثار الغير المستتبعة لالزام الغير ومن أن عدم جواز إلزام الغير إنما هو فيما إذا كان مقتضى تكليفه خلاف ما اقتضاه تكليف الغير واما لا مع ذلك فلا دليل على منعه أقواها ثانيها على ما ذكره الأستاذ من عدم جواز الفصل مطلقا بالطرق الشرعية لغير الحاكم غير الاقرار ثم إنه لو قلنا بعدم الجواز مطلقا لا بد من القول بالجواز فيما إذا كان مقتضى تكليفه على وفق مقتضى تكليف الغير لأنه حينئذ يدخل في الأمر بالمعروف الذي قد عرفت جوازه لكل من يقدر عليه سواء الحاكم وغيره.
رابعها ان ما ذكرنا من جواز الالزام الواقعي بمقتضى الاقرار لغير الحاكم انما هو فيما إذا أقر فعلا باشتغال ذمته للمقر له بحيث قطعنا بما هو المراد له من اللفظ وعدم خطئه وعدم سهوه في الاقرار ولا اكراهه فيه إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا يمكن معها القطع بالاقرار الواقعي المشروط المذكورة في محله.
وأما إذا أقر لسبب كما لو أقر بأنه استقرض من زيد أو باشتغال ذمته سابقا مع احتمال الأداء من المقر أو الابراء من المقر له بحيث لو ادعاهما لم يكن منافيا لإقراره أو أقر بشئ لم نقطع بمراده منه بل ظننا به من باب أصالة الحقيقة أو أصالة عدم القرينة أو احتملنا في حقه الاكراه أو السهو أو الخطأ إلى غير ذلك من الاحتمالات الموجبة لعدم القطع بالواقع المندفعة بالأصل المعتبر عند أهل اللسان والعقلاء فهل يحكم بجواز إلزامه بإقراره لغير الحاكم بحسب الواقع كما يجوز له أو لا يجوز وجهان.
من أن مقتضى أدلة الاقرار هو نفي احتمال الكذب عن المقر وترتيب آثار الصدق عليه وأما سائر الاحتمالات فلا يكفي في دفعها أدلة الاقرار بل لا بد فيه من الرجوع إلى دليل آخر غير ما دل على إلزام المقر بما التزمه فإنه في مقام جواز إلزامه بعد احراز عنوان الاقرار وليس هو في مقام ان أي شئ اقرار وأي شئ ليس بإقرار.
وحاصل الكلام ان ما دل على ثبوت الحكم لموضوع لا يجوز احراز نفس الموضوع به بل لا يعقل وهذا واضح سيما في الفرض الأول فإن فيه جهة أخرى يمكن المنع باعتبارها وهي ان الحكم بلزوم الأداء من جهة أصالة عدم الوفاء واستصحاب الاشتغال لا دخل له بأدلة الاقرار والاخذ به بل إنما هو أخذ بالاستصحاب فإن الاقرار إنما هو بثبوت الحق سابقا وأما ثبوته في الحال فإنما جاء من الاستصحاب فهو عمل بالاستصحاب لا بالاقرار وهذا نظير ما ذكرنا في رد من تمسك بحديث الثقلين لحجية ظواهر الكتاب أو بالاجماع على وجوب الاخذ بقول الله تبارك وتعالى من أن الحديث الشريف إنما يدل على وجوب متابعة الكتاب فيما علم أنه مراد من الله تعالى وليس في مقام اثبات حجية الظن بالمراد أصلا وهكذا الكلام في الاجماع فحينئذ لا بد في دفع الاحتمالات المذكورة من الرجوع إلى دليل آخر إما في دفع احتمال الوفاء والابراء فإلى ما دل على حجية أصالة عدم الوفاء والابراء من أخبار الاستصحاب أو غيرها واما في دفع احتمال إرادة المجاز أو خلاف الظاهر فإلى ما دل على وجوب الاخذ بأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة عند عدم ما يدل على خلافهما وأما في دفع سائر الاحتمالات فإلى ما دل على اعتبار أصالة عدم الخطأ والسهو الاكراه من بناء العقلاء فيصير حال تلك الأصول حينئذ حال البينة وغيرها من - الطرق الشرعية فنقول باختصاص العمل بها في مقام رفع الخصومة والالزام ولو بحسب الواقع بالحاكم على ما
Halaman 95