قيل: إن ذلك مستحبٌّ، وهو قول الأكثرين.
وقيل: إنه مباحٌ وليس (١) بمستحب، وهو قول في مذهب مالك وأحمد.
وقيل: بل ذلك منهيٌّ عنه، روي هذا عن طائفة من السلف، وهؤلاء يقولون: نهي (٢) عن زيارة القبور، ولم يثبت عندنا أنه نسخ ذلك.
وقد اتفق العلماء على أن النبي ﷺ نهى أولًا عن زيارة القبور، قيل: لأن ذلك مظنة الشرك، وقيل: لأنه مظنة النياحة.
واختلفوا: هل نسخ ذلك؟ فقال الأكثرون: إنه نسخ، وقيل: لم ينسخ، /٢٠أ/ والذين قالوا: إنه نُسخ، قال بعضهم: إنه صيغة افْعَلْ بعد حظر، فلا تفيد إلا الإباحة، فإنه قال: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا //١٥٦أ// فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» وقال الأكثرون: إن زيارتها على الوجه الشرعي مستحبةٌ، وهذا هو الصحيح.
وجماع الأمر، أن زيارة القبور ثلاثة أنواع:
منها: ما هو منهيٌّ عنه باتفاق العلماء كالزيارة التي تتضمن محرمًا، إما (٣) من الندب والنياحة المحرّمة، وإما من الشرك والبدع المحرمة، فهذان النوعان (٤) حرام باتفاق العلماء.
ومنها: ما هو مباح، كزيارة القريب، وإن كان كافرًا؛ (٥) للرقة عليه، لا للدعاء له، فهذا مثل البكاء على الميت بغير ندب، ولا نياحة، لا (٦) بأس به.
والثالث: أنه يزار ليدعى له، كما كان يزور أهل البقيع، والشهداء، وهذا مستحب، لكن لم يقل أحدٌ من العلماء: إنه يستحبُّ السّفرُ إليها لزيارتها، فتنازعوا في زيارتها من المكان القريب: هل هو مستحبٌّ، أو
_________
(١) في خ٢: (ليس) دون الواو.
(٢) في خ٢ ضبطت: (نَهَى)، وبعدها (نَسَخ) .
(٣) (إما) ليست في خ٢.
(٤) في الأصل: (فهذا النوعين)، وفي خ٢: (فهذا النوعان)، والتصويب من المحقق.
(٥) في خ٢ هنا زيادة كلمة لم أجزم بها، كأنها: (لكونه) .
(٦) غيرت في المطبوع إلى: (ولا) .
1 / 61