Present Tense Movement
حركة حروف المضارعة
Penerbit
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Nombor Edisi
العدد ١١٩-السنة ٣٥
Tahun Penerbitan
١٤٢٣هـ
Genre-genre
المقدَّمة
الحمد لله والصَّلاة والسَّلامُ على رَسولِ اللهِ.
وَبَعْد؛ فقد اهتمَّ علماء العربيّة بلغتهم، ووضعوا نحوها وصرفها ولغتها على نحوٍ منضبط، بهر من جاء بعدهم لدقّتهم البالغة، وسرعة استواء هذه العلوم على سوقها.
وكان في جملة اهتماماتهم الكلمة المفردة، إذ تناولوها من جهة نوعها، وبنيتها، ومدلولها.
فأمَّا نوعها فقسموها إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف. وأمّا بنيتها فصنفوا جميع أبنية العربيّة على اختلاف هيئاتها وأحوالها.
وأمّا مدلولها: فصنّفوا في ذلك الموسوعات الحاوية لمعاني ألفاظ العربيّة.
وكان في جملة بيانهم انقسامَ الكلمة إلى اسم وفعل وحرف انقسامُ الفعل إلى ثلاثة أيضًا: ماضٍ ومضارع وأمر. فإن قال قائل: لم كانت الأفعال ثلاثة: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا؟ قيل: لأنّ الأزمنة ثلاثة، ولمّا كانت ثلاثة وجب أن تكون الأفعال ثلاثة: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا١.
ولكلِّ نوعٍ منها علاماته التي يعرف بها، وميزاته التي ينفرد بها عن نظيريه.
فالفعل المضارع قسم من أقسام الفعل، ونوع من أنواعه، شُغِلَ به النّحويّون والصّرفيّون واللّغويّون.
فالنحويون تناولوا المضارع بالدراسة من حيث علامته المميزة له، وإعرابه أو بناؤه، وانتهوا إلى أمور، منها:
علامته المميزة له نوعان:
١-نوع يرجع إلى ما يدخل عليه من عوامل، وهي صلاحيته لأن يلي
_________
١ انظر شرح المفصّل ٧ / ٤.
1 / 451
لم نحو: لم يقم زيد ولم يشم١.
٢-وآخر يرجع إلى صيغة أوزان المضارع، وهي افتتاحه بحرف من حروف نأيت. قال الزمخشري في تعريفه: "وهو ما يعقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء..."٢.
وليس هذه العلامة في قوة السابقة لها؛ لأنها ليست علامةً قاطعةً، وإنما هي مساعدة.
إعرابه:
يقرر النحويون أن حق الفعل المضارع الإعراب لمشابهته للاسم، وبهذا أعرب، واستحق التقديم على أخويه٢.
واستثنوا من ذلك حالتين هما:
١-إذا اتصلت به نون التوكيد، فإنه يبنى معها على الفتح بشرط أن تكون مباشرة للفعل، لم يفصل بينها وبينه فاصلٌ، ظاهرًا كان - كألف الاثنين - أو مقدرًا - كواو الجماعة وياء المخاطبة - وإلا كان معربًا.
٢-إذا اتصلت به نون النسوة، فإنه يبنى معها على السكون، كما في قوله جل وعلا: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...﴾ ٣.
أمَّا الصرفيُّون فقد شغلتهم حركة عين المضارع؛ ذلك لاختلافها باختلاف الماضي ونوعه من حيث التجرُّد والزِّيادة، ومن حيث نوعيّة حروفه في بعض الأحيان.
_________
١ أوضح المسالك: ١/٢٧.
٢ أوضح المسالك: ١/٢٧. والمقصود بأخويه الماضي والأمر..
٣ سورة البقرة: ٢٢٨.
1 / 452
فالمعروف أنَّ أبواب الماضي الثّلاثي المجرّد ثلاثة: فَعَل وفعِل وفعُل وهذا التَّقسيم ناتج من تغيّر حركة العين، ذلك أنَّ الفعل - كما ترى - ثلاثة أحرف. فالأوَّل منها متحرّك دائمًا إذ لايُبْدَأ بساكن [وحركته الفتحة] واختيرت من بين الحركات لخفَّتِها، وآخره مبنيٌّ على الفتح لفظًا أو تقديرًا، ولم يكن ساكنًا؛ لأنَّه يتَّصل به الضَّمائر، وبعضها ملازم للسُّكون كواو الجماعة، وألف الاثنين. والعين لا تكون إلاَّ متحرّكة لئلاَّ يلزم التقاء السَّاكنين إذا سكن آخر الفعل لاتِّصاله بضمير رفع متحرِّك. والحركات ثلاث: فتحة وكسرة وضمَّة؛ لذلك انحصرت أوزانه في هذه الصِّيغ الثَّلاث ١.
أمَّا الرُّباعي المجرَّد فله وزن واحد هو فَعْلَل نحو: دحرج لأن الرُّباعي أثقل من الثُّلاثي، فوجب أن يكون فيه سكون ليُخَفِّفَ ثقَله؛ ولأنَّه لو كانت حروفه كلُّها متحرِّكة كالثُّلاثي لزم اجتماع أربعة متحرِّكات متوالية في الكلمة الواحدة، وهذا مما رفض في كلام العرب للاستثقال.
وأما اللغويون فكان من جملة الأحكام التي يطالعها دارس العربيَّة في دراساتهم حركة حرف المضارعة، فاشتُهِر أنَّ حكمها دائر بين حالتين:
الأولى: حالة الفتح، وذلك إذا كان ماضي الفعل ثلاثيًّا أو خماسيًّا أو سداسيًّا.
والأخرى: حالة الضَّم، وتختصّ بما كان ماضيه على أربعة أحرف.
ولا يذكر مع هاتين الحالتين حالة ثالثة. ولكنَّا نجد في كتاب سيبويه مبحثًا مستقلًاّ عنوانه كسر حروف المضارعة٢ وذلك يشعر بخروج هذه الحالة عن القاعدة العامَّة، ذلك أنَّ النُّحاة بنوا قواعدهم على ما اطَّرد من قواعد
_________
١ المغني في تصريف الأفعال ص ٩٨.
٢ انظر الكتاب: ٤/١١٠.
1 / 453
العربيَّة، مستندًا إلى قياس صحيح، أو رَكَنَ إلى سماعٍ فصيح.
وكسر حروف المضارعة ليس مطردًا في لغة العرب، غير أنَّها وجدت لهجات عربية تكسرها.
ولما كان الأمر كذلك أردت أن أقف عندها، جامعًا كلام العلماء فيها ليسهل النَّظر في هذه الحالة، وليطلع دارسو العربيَّة على آراء العلماء فيها.
وذكرت معها نبذة عن حروف المضارعة من حيث، عددها، ومكان زيادتها، ولماذا كانت دون غيرها، وهل زيادتها في أوائل الفعل المضارع دون غيره من الأسماء والأفعال؟
أرجو أن أكون قد حقَّقت المقصود، ووصلت إلى المراد، والله الهادي إلى سواء السَّبيل.
1 / 454
حروف المضارعة
حروف المضارعة هي الهمزة والنون والتاء والياء التي تكون في صدر الفعل المضارع، وزيادتها في أوله لازمة، بل هي جزء من تعريفه. قال الزّمخشري في تعريفه: "وهو ما يعقب في صدره الهمزة والنّون والتّاء والياء. وذلك في قولك للمخاطب أو الغائبة: تفعل. وللغائب: يفعل. وللمتكلّم: أفعل. وله إذا كان معه غيره واحدًا أو جماعة: نفعل. وتسمّى الزّوائد الأربع، ويشترك فيه الحاضر والمستقبل...."١. فإن سألت عن أصل هذه الحروف ومن أين جاءت؟ أجابك السّهيلي في نتائجه بقوله: "وإن كان المعنى الزّائد أولًا كانت الزّيادة المنبئة عنه أولًا، مسبقة على حروف الكلمة، كهذه الزّوائد الأربع، فإنّما تنبئ أنّ الفعل لم يحصل بعد لفاعله، وأن بينه وبين تحصيله جزءًا من الزّمان، فكان الحرف الزَّائد السَّابق للفظ الفعل مشيرًا في اللِّسان إلى ذلك الجزء من الزَّمان، مرتَّبًا في البيان على حسب ترتُّب المعنى في الجنان "٢.
فإن سألت: لم كانت هذه الأحرف الأربعة دون غيرها من حروف الهجاء؟ أجابك بقوله: " إنَّ الأصل في هذه الزّوائد الياء، بدليل كونها في الموضع الذي لا يحتاج فيه إلى الفرق بين مذكّر ومؤنّث، وهو فعل جماعة النِّساء.
دليل آخر: وهو أنَّ أصل الزِّيادة لحروف المدّ واللِّين، والواو لا تزاد أولًا كيلا تشبه واو العطف، ولعلّة أخرى تذكر في باب التّصريف٣، والألف لا
_________
١ المفصّل في علم العربيّة ص ٢٤٤.
٢ نتائج الفكر ص ١١٧.
٣ قال ابن جني في سر صناعة الإعراب ٢/٥٩٥: "ولم تزد الواو أولًا ألبتة، وذلك أنها لو زيدت لم تخل من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فلو زيدت أولًا مضمومة لاطّرد فيها الهمز كما همز نحو (أّقتت) و(أُعِد زيد) ولو زيدت مكسورة لكان قلبها أيضًا جائزًا وإن لم يكن في كثرة همز المضمومة وذلك نحو (إسادة) ... ولو زيدت أولًا مفتوحة لم تحل من أن تزاد في أول اسم أو فعل ... فلو زيدت في أول الاسم مفتوحة لكنت متى صغرت ذلك الاسم فضممتها مُمَكَّنًا من همزها.. ولو كانت في أول فعل لكنت متى بنيته للمفعول ولم تسم فاعله وجب أن تضمها لجاز أيضًا همزها ... ".
1 / 455
تزاد أولًا لسكونها، فلم يبق إلاَّ الياء فهي أصل هذا الباب. فلمَّا أرادوا الفرق كانت الهمزة بفعل المتكلّم أولى، لإشعارها بالضَّمير المستتر في الفعل، إذ هي أول حروف ذلك الضَّمير إذا برز، فلتكن مشيرةً إليه إذا أرز. وكانت النّون بفعل المتكلّمين أولى بوجودها في أول لفظ الضَّمير الكامن في الفعل إذا ظهر، فلتكن دالّة عليه إذا خفي واستتر، وكانت التّاء من تفعل للمخاطب؛ لوجودها في ضميره المستتر فيه، وإن لم تكن في أوّل لفظ الضَّمير - أعني أنت - ولكنَّها في آخره، ولم يخصّوا بالدّلالة عليه ما هو في أوّل لفظه - أعني الهمزة - لمشاركته للمتكلّم فيها وفي النّون، فلم يبق من لفظ الضَّمير إلاَّ التَّاء، فجعلوها في أوَّل الفعل علمًا عليه، وإيماءً إليه.
فإن قيل: فكان يلزم على هذا أن تكون الزِّيادة في فعل الغائب هاءً، لوجودها في لفظ الضَّمير الغائب إذا برز؟
فالجواب: أنَّه لا ضمير في فعل الغائب في أصل الكلام وأكثر موضوعه؛ لأنَّ الاسم الظَّاهر يغني عنه، ولا يستتر ضمير الغائب حتَّى يتقدّمه مذكور يعود عليه، وليس كذلك فعل المتكلّم والمخاطب والمخبرين عن أنفسهم ... ١.
ويقول الكيشيُّ عن هذه الأحرف: "وإنَّما اختصّت الحروف الأربع بالمضارع لأنَّ حروف المدّ هي التي تزاد للمعاني، لكونها ناشئة من الحركات الدَّالَّة على المعاني الإعرابيّة، وحرك الألف للابتداء به فصارت همزة؛ لقرب المخرج، فأبدل من الواو تاءً كتراث وتجاه وتقًى؛ لأنَّ الواو لا تزاد أولًا بمقتضى التَّصريف،
_________
١ نتائج الفكر ص١١٧.
1 / 456
واضطروا إلى حرف رابع فتعيَّن النّون، لما فيه من الغنّة الشَّبيهة بالمدّ "١.
فيرى الكيشي أنَّهم لمَّا احتاجوا إلى أحرف تدلُّ على المعاني الزَّائدة في الفعل كان الأولى بذلك حروف المدّ الثَّلاثة: الألف والواو والياء، فأبدل من الألف الهمزة للعلّة التي ذكر، ومن الواو التَّاء؛ لأنَّه لا تزاد أولًا، والياء بقيت على طبيعتها، فلمَّا اضطروا إلى حرف رابع كان النّون.
وزيادة هذه الأحرف ليست خاصة بالفعل المضارع، ولذلك لا يذكرها النحويون لتعريفه بها؛ لأنَّها ليست علامة قاطعة، وإنَّما هي مساعدة. ولذلك قال ابن هشام فيها: "وإنَّما ذكرت هذه الأحرف بساطًا وتمهيدًا للحكم الذي يأتي بعدها، لا لأُعرِّف بها الفعل المضارع؛ لأنَّا وجدناها تدخل في أوَّل الفعل الماضي، نحو: أكرمت زيدًا وتعلّمت المسألة ونرجست الدَّواء إذا جعلت فيه نرجسًا، ويرنأت الشَّيب إذا خضبته باليُرَنًَّا، وهو الحنّاء، وإنَّما العمدة في تعريف المضارع دخول لم عليه"٢. ونجد أنَّ هذه الأحرف تدخل أيضًا على الأسماء، وتجيء في أوَّلها، ويفسِّر ابن جنِّي ذلك بقوله: "فإن قلت: فهلا قُصِرَت حروف المضارعة على الأفعال كما قصرت الميم على الأسماء، وقد سمعناهم يقولون: أفْكَلٌ، وأَيْدَعٌ، وتَنْضُبٌ، وتَتْفلٌ٣ وغير ذلك ممَّا في أوَّله الهمزة والنّون والتَّاء والياء؟
قيل: إنَّما زيدتْ هذه الحروف التي بابها الأفعال في أوائل الأسماء، لقوَّة الأسماء وتمكّنها، وغلبتها للأفعال فشاركت الأسماءُ في هذا الموضع الأفعالَ،
_________
١ الإرشاد إلى علم الإعراب ص ٤٣٩.
٢ شرح قطر النَّدى وبلّ الصَّدى ص ٣٧.
٣ الأفكل، على أفعل: الرعدة: ولا يبنى منه فعل. والأيدع: صبغ أحمر، وقيل: هو خشب البقم، وقيل غير ذلك. والتنضب: شجر ينبت بالحجاز، واحدته تنضبة. والتتفل: الثعلب، ونبات أخضر، وقيل شجر. انظر ذلك في اللسان (فكل، يدع، نضب، تفل) . .
1 / 457
لقوّتها ... ويدلّك على أنَّ أصل هذه الزِّيادات - أعني: الحروف المضارعة - أن تكون في أوَّل الأفعال أنَّ الأسماء التي جاءت على أفعل أكثرها صفات نحو: أحمر، وأصفر، وأخضر، وأسود، وأبيض، والأسماء التي في أوَّلها الهمزة على هذا البناء من غير الصِّفات قليلة. ألا ترى أنَّ باب: أحمر، وأصفر، وأسود، وأبيض أكثر من باب أَيْدَعٍ، وَأَزْمَلٍ، وَأَفْكَلٍ، فلمَّا أرادوا أن يكثر هذا المثال الذي في أوّله الهمز جعلوه صفات؛ لقرب مابين الصّفة والفعل. ألا ترى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما ثانٍ للاسم، وأنَّ الصِّفة تحتاج إلى الموصوف كما أنَّ الفعل لابدَّ له من فاعلٍ "١.
ولذلك يقرر النحويون أنَّ علامة الفعل المضارع صحة دخول لم الجازمة على الفعل دون اختلال في التّركيب. أمَّا أحرف المضارعة فهي قابلة للدّخول على الماضي والأسماء.
الفتح والضم في أحرف المضارعة:
شغل اللغويون بالمضارع من حيث حركة حرف المضارعة. فقد اشتهر في لغة أهل الحجاز أنَّه إذا بني المضارع من ماضٍ رباعي - سواء أكان رباعي الأصول أم رباعيًّا بالزِّيادة - كانت حركة حرف المضارعة منه الضَّم. فتقول: أكرم يُكرم، قطَّع يقطِّع، دحرج يُدحرج.
وإذا جاء ما يشعر بمخالفته ذلك فعلى اعتبار آخر، وعليه يمكن تفسير قراءة أبي رجاء العطاردي٢ ﴿فَاتَّبِعُونِي يحَْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ٣ بفتح الياء.قال
_________
١ المنصف ١ / ٢٧٢.
٢ عمران بن تيم البصري أخذ القراءة عرضًا على ابن عبَّاس ﵄ وتَلَقَّنَ القرآن على أبي موسى، ولقي أبا بكر ﵄. قال ابن معين:" مات سنة خمس ومائة وله مائة وسبع وعشرون سنة ". معرفة القراء الكبار ٥٨ - ٥٩.
٣ آل عمران: ٣١.
1 / 458
الكسائي:" يقال يَحِبُّ وتَحِبُّ وأَحِبُّ ... والفتح لغة تميم وأسد وقيس. وهي على لغة من قال: حَبَّ وهي لغة قد ماتت "١.
فنلحظ هنا أنَّ الفتح على اعتبار أنَّ الفعل ثلاثي الماضي، وليس أحبَّ الرّباعي. وهو رأي وجيه ارتضاه النَّحاس. إذ قال: "فأمَّا فتحها فمعروف يدل عليه محبوب"٢. وهذا إشارة إلى اسم المفعول من الثّلاثي الذي يأتي على وزن مفعول؛ كما تقتضيه القواعد الصَّرفيَّة.
وإذا بني المضارع من ثلاثي أو خماسي أو سداسي كانت حركة حرف المضارعة الفتح. فإن قيل: فلم فتحوا حرف المضارعة في الثّلاثي، وضمُّوه من الرُّباعي؟ قيل: لأنَّ الثَّلاثي أكثر من الرُّباعي، والفتحة أخفُّ من الضَّمة، فأعطوا الأكثر الأخف، والأثقل الأقل ليعادلوا بينهما.
فإن قيل: فالخماسي والسُّداسي أقلُّ من الرُّباعي فهلا وجب ضَمُّهُ؟ قيل: إنَّما وجب فتحه لوجهين:
الأوَّل: أنَّ النَّقل من الثّلاثي أكثر من الرّباعي، فلمَّا وجب الحمل على أحدهما كان الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقلّ.
والآخر: أنَّ الخماسي والسُّداسي ثقيلان لكثرة حروفهما، فلو بنوهما على الضَّمِّ لأدَّى ذلك إلى أن يجمعوا بين كثرة الحروف، وثقل الضَّم، وذلك لايجوز فأعطوها أخفّ الحركات وهو الفتح٣.
وهذا ما اشتهر في المسألة، وعليه الاعتماد في التعليم والتقعيد. غير أنَّه قد جاءت لغات تخالف هذا المشهور، من ذلك كسر حروف المضارعة.
وهذه المسألة - أعني: كسر حروف المضارعة - هي التي شغلت اللغويين؛
_________
١ إعراب القرآن للنَّحاس ١ / ٣٦٧.
٢ إعراب القرآن للنَّحاس ١ / ٣٦٧.
٣ أسرار العربية للأنباري ص ٤٠٤ - ٤٠٥.
1 / 459
لأنَّ العرب تباينت في النّطق بها، وإليك تفصيل ذلك:
ما يكسر من حروف المضارعة وما يمتنع كسره: سبق أن بيَّنَّا أن حروف المضارعة أربعة: الهمزة، والنّون، والتَّاء، والياء، فهل يصح لنا أن نكسر شيئًا منها؟ يقول سيبويه:" هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحرف حين قلت: فَعِل، وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز، وذلك قولهم: أنت تِعْلم ذاك، وأنا إعلم، وهي تِعْلم، ونحن نعلم ذلك، وكذلك كل شيء فيه فَعِل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين، والمضاعف، وذلك قولهم: شقيت فأنت تِشْقَى، وخشيتُ فأنا إخشى، وخلنا فنحن نِخال، وعَضضْتُنَّ فأنتنَّ تِعْضَضْنَ وأنت تِعَضِّين "١. وبتأمّل هذا النَّصِّ نلحظ أنَّ الحروف التي تكسر من حروف المضارعة ثلاثة: الهمزة، والتَّاء، والنّون، وكسر هذه الحروف لايكون في صيغ الأفعال كلّها، وإنَّما يكون في مضارع فَعِل مكسور العين. وهذا معنى قوله: "كما كَسَرْتَ ثاني الحرف حين قلت: فَعِل ". والمراد بذلك ما جاء على فَعِل يفعَل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع. و"ما ورد من فَعِل يفْعِل بكسر العين في الماضي والمضارع لا يكسر منه حرف المضارعة عند أحد من العرب. وأمَّا ما سمع بالوجهين فيكسر فيه حرف المضارعة على لغة الفتح لا على لغة الكسر "٢. وبهذا يتبين أنَّ ما كان على فعِل يفعِل لا يكسر منه حرف المضارعة. _________ ١ الكتاب ٤ / ١١٠. ٢ المغني في تصريف الأفعال ص ١٤٥.
ما يكسر من حروف المضارعة وما يمتنع كسره: سبق أن بيَّنَّا أن حروف المضارعة أربعة: الهمزة، والنّون، والتَّاء، والياء، فهل يصح لنا أن نكسر شيئًا منها؟ يقول سيبويه:" هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحرف حين قلت: فَعِل، وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز، وذلك قولهم: أنت تِعْلم ذاك، وأنا إعلم، وهي تِعْلم، ونحن نعلم ذلك، وكذلك كل شيء فيه فَعِل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين، والمضاعف، وذلك قولهم: شقيت فأنت تِشْقَى، وخشيتُ فأنا إخشى، وخلنا فنحن نِخال، وعَضضْتُنَّ فأنتنَّ تِعْضَضْنَ وأنت تِعَضِّين "١. وبتأمّل هذا النَّصِّ نلحظ أنَّ الحروف التي تكسر من حروف المضارعة ثلاثة: الهمزة، والتَّاء، والنّون، وكسر هذه الحروف لايكون في صيغ الأفعال كلّها، وإنَّما يكون في مضارع فَعِل مكسور العين. وهذا معنى قوله: "كما كَسَرْتَ ثاني الحرف حين قلت: فَعِل ". والمراد بذلك ما جاء على فَعِل يفعَل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع. و"ما ورد من فَعِل يفْعِل بكسر العين في الماضي والمضارع لا يكسر منه حرف المضارعة عند أحد من العرب. وأمَّا ما سمع بالوجهين فيكسر فيه حرف المضارعة على لغة الفتح لا على لغة الكسر "٢. وبهذا يتبين أنَّ ما كان على فعِل يفعِل لا يكسر منه حرف المضارعة. _________ ١ الكتاب ٤ / ١١٠. ٢ المغني في تصريف الأفعال ص ١٤٥.
1 / 460
وعلة ذلك ثقل الكسر بعد الكسر؛ ولأنَّ العلَّة في كسر حرف المضارعة فيما كان ماضيه على فعِل التنبيه على كسر العين منه، قال سيبويه: "وإنَّما كسروا هذه الأوائل؛ لأنَّهم أرادوا أن تكون أوائلها كثواني فَعِل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحًا في فَعَل وكان البناء عندهم على هذا أن يجروا أوائلها على ثواني فعِل منها "١.
ولما كانت العلّة هذه لم يُكْسَرْ في الباب شيء كان ثانيه مفتوحًا نحو ضرب وذهب وأشباههما ٢.
أمَّا الياء الدَّالة على الغائب من حروف المضارعة فإنَّا نجدها تخرج من هذا، وتسلم من الكسر. يقول الرّضي: "وتركوا الكسر؛ لأنَّ الياء من حروف المضارعة يُستثقل عليها، وكسر حروف المضارعة - إلاَّ الياء - لغة غير الحجازيين إذا كان الماضي مكسور العين "٣. وقال أيضًا: "واعلم أنَّ جميع العرب - إلاَّ أهل الحجاز - يجوزون كسر حروف المضارعة سوى الياء في الثلاثي المبني للفاعل، إذا كان الماضي على فعِل بكسر العين فيقولون: أنا إعلم، ونحن نِعلم وأنت تِعلم ... "٤.
وبهذا يتبيّن أنَّ الياء ليست ممَّا يكسر من حروف المضارعة إلاَّ في حالات نادرة، كأن تكون بعدها ياء أخرى. قال الرَّضي: "ويكسرون الياء أيضًا إذا كانت بعدها ياءٌ أخرى"٥.
_________
١ الكتاب ٤ / ١١٠.
٢ المصدر السَّابق.
٣ شرح الكافية: ٢ / ٢٢٨.
٤ المصدر السابق: ١ / ١٤١.
٥ المصدر السابق: ٢ / ٢٢٨.
1 / 461
أمَّا تعليل إخراجها من دائرة الكسر عن مثيلاتها فهو الثّقل النَّاشئ عن ذلك؛ لأنَّ الياء ثقيلة والكسرة ثقيلة، ولذلك لم ترد مكسورة في أوَّل الأسماء إلاَّ في كلمات معدودة، ذكرها ابن جنِّي في منصفه وعلَّل ذلك بالثّقل إذ قال: "وليس في كلام العرب اسم في أوَّله ياء مكسورة إلاَّ قولهم في اليد اليسرى: يِسار بكسر الياء والأفصح يَسار بفتحها. وقالوا أيضًا في جمع يقظان: يِقاظ وفي جمع يَعْرٍ وهو الجدي يِعَرَة وفي جمع يابس: يِباس. وإنَّما تنكَّبوا ذلكَ عنديَ استثقالًا للكسرة في الياء، وليست كالواو التي إذا انضمَّت هُمِزَتْ هربًا من الضَّمَّة فيها. فلمَّا لم يكن فيها القلب لم يستجيزوا كسرها أولًا "١.
ولأجل هذه العلَّة تركت بعض القبائل التي تكسر حروف المضارعة الكسر في الياء. قال سيبويه: "وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت؛ وذلك أنَّهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنًى فيحتمل ذلك ... "٢.
وقال ابن جنِّي: "وتَقِلُّ الكسرة في الياء نحو يِعلم، ويِركب استثقالًا للكسرة في الياء ... "٣.
وتعبير ابن جنِّي بالقلَّة احتراز ممَّا وقع في لغة بعض القبائل من الكسر حتَّى في الياء، كبعض كلب إذ تكسر فيها وفي غيرها.ذكر ذلك أبوحيَّان فقال: " وغيرهم من العرب [أي: الحجازيين] قيس وتميم وربيعة ومن جاورهم تكسر إلاَّ في الياء فتفتح، إلاَّ بعض كلب فتكسر فيها وفي غيرها من الثَّلاثة"٤. على أنَّه وجد غير كلب يكسر في الجميع في بعض الأفعال خاصَّة، كما تفعل تميم في مثل وجل إذ تكسر مطلقًا. وسيأتي بيان ذلك - إن شاء الله.
_________
١ المنصف: ١ / ١١٧.
٢ الكتاب ٤ / ١١٠.
٣ المحتسب ١ / ٣٣٠.
٤ ارتشاف الضرب ١ / ٨٨.
1 / 462
ويرى بعض الباحثين المعاصرين أنَّه " لا يستبعد أن تلحق الكسرة الياء كما لحقت غيرها من حروف المضارعة؛ لأنَّ الكسرة أنسب للياء من الفتحة أو الضَّمَّة فهما من مخرج واحد"١. وهذا ناتج عن تعليل سبب الكسر بأنَّه من قبيل ميل القبائل البدويَّة إلى الكسر، بسبب طبيعة التعجل عندهم ٢.
الأفعال التي تكسر فيها حروف المضارعة:
حدد علماء العربية القدماء نوع الأفعال التي تكسر فيها حروف المضارعة فجعلوه من الثلاثي ما جاء على فِعل يفعَل ومن غيره ما كان مبدوءًا بهمزة وصل أو تاء زائدة. وجعلوا علة ذلك الإشارة إلى كسر العين في فَعِل ٣ ثم شبهوا ما كان في ماضيه ألف وصل بما كان الماضي منه على فَعِل لاجتماعهما في كسرة ألف الوصل أولًا، وكسرة عين فِعل ثانيًا، وكرهوًا كسر الحرف الثاني من مستقبل فعِل لأن صفته السكون، وكرهوا كسر الثالث لئلا يلتبس يفعَل بـ يفعِل فوجب كسر الأول. ثم شبهوا مستقبل ما ماضيه ألف الوصل بمستقبل فعِل فكسروا أوله ٤ ثم حملوا عليه ما بدئ بتاءٍ زائدة لأنه كان في الأصل مما ينبغي أن يكون أوله ألف موصولة، لأن معناه معنى الانفعال، وهو بمنزلة انفتح وانطلق، ولكنهم لم يستعملوه استخفافًا٥ هذه تعليلات القدماء، وهي تعليلات مقبولة، استنتجوها من طبيعة اللغة والنظر في قوانينها وإن لم تقصدها العرب حين تكلمت بهذه الأفعال.
وحين تحدث علماء العربية المحدثون عن هذه القضية جعلها بعضهم من
_________
١ اللهجات في الكتاب لسيبويه ١٦١.
٢ انظر المرجع السَّابق.
٣ شرح الشافية ١/١٤١.
٤ المخصص ١٤/٢١٨.
٥ المصدر السابق.
1 / 463
قبيل ميل القبائل البدوية إلى الكسر بسبب طبيعة التعجل عندهم١.
وذهب الدكتور غالب المطلبي إلى أن تعليل القدماء ليس صحيحًا بسبب وجود أمثلة من غير باب فعِل يفعَل من نحو أبي، وركن، وخال٢ وصنع. ومال إلى أن كسر حروف المضارعة في الأصل متعلق بصيغة يفعَل المفتوحة العين بغض النظر عن حركة العين في الماضي، وجعل ذلك ظاهرة لغوية سامية قديمة، إذ إنه اطرد في لغتين ساميتين غربيتين هما العبرية والسريانية ٣.
ونلحظ هنا أن تعليل المحدثين أغفل المبدوء بهمزة الوصل والتاء الزائدة، مما يجعل الأمر يحتاج إلى نظر، على أن كل ما ذكروه لا يمكن الجزم به لافتقاره إلى الأدلة القاطعة التي تبرهن على صحته، وفساد ما ذهب إليه القدماء - في نظرهم - ومن ثم أرى تعليل القدماء يبقى الأصل، ولا يقبل الحكم بعدم صحته إلا إذا توصل الباحثون إلى تعليل تعضده الأدلة، وتُعَيِّنُ القول به البراهينُ، وقد أشار الدكتور المطلبي إلى عدم توافر هذا فقال: "ولكننا لا نستطيع أن نذهب مذهبًا يُطمأنُ إليه لاندثار هذه اللغات، وعدم وجود أدلة جازمة فيه "٤.
أما الأفعال التي تجري فيها هذه الظاهر فيمكن تناولها على النحو التالي:
١- ما كان الكسر فيه تنبيهًا على كسر عين الفعل الماضي منه، وذلك في كل فعل ماضيه على فَعِل سالمًا كان، أو مضاعفًا، أو أجوف أو ناقصًا٥، أو مهموزًا، أو مثالًا أو لفيفًا، وكان مبنيًّا للفاعل.
_________
١ اللهجات في الكتاب ١٦٣.
٢ سيأتي الحديث عن هذه الأفعال وما رآه القدماء بشأنها.
٣ في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية ١٩٠.
٤ المرجع السابق.
٥ اللهجات في الكتاب ص ١٥٦.
1 / 464
٢- ما كان مبدوءًا بهمزة وصل مكسورة.
٣- ما كان مبدوءًا بتاءٍ معتادة ممَّا يكون على وزن تفعّل أو تفاعل أو تفعلل وإليك بيان هذه الأحكام بالتَّفصيل:
ما كان الكسر فيه تنبيهًا على كسر عين الفعل الماضي منه، ويكون ذلك في الفعل الصَّحيح والمعتلّ على السَّواء وفق التَّفصيل التَّالي:
أالصَّحيح السَّالم:
من المعلوم أنَّ الصَّحيح هو ما خلت حروفه الأصول من أحرف العلَّة الألف والياء والواو. والسَّالم ما سلم من الهمز والتَّضعيف، وهذا النَّوع من الأفعال ممَّا يكسر فيه حرف المضارعة إذا كان ماضيه على فَعِل ومضارعه على يفعَل.
وقد مرَّ بنا آنفًا تمثيل سيبويه بالفعل عَلِم الذي توافرت فيه شروط كسر حرف المضارعة منه. وجاء عند ابن جنِّي قوله: "هذه لغة تميم أن تكسر أوَّل مضارع ما ثاني ماضيه مكسور نحو: علمت تِعْلم، وأنا إعلم، وهي تِعْلم ونحن نِرْكَب "١.
وقد وردت شواهد في القراءات الشَّاذَّة والشّعر والنَّثر على هذا. منها: ما نقله أبو حيَّان أنَّ أبا عمرو قرأ: ﴿وَلا تِرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ ٢ بكسر التَّاء على لغة تميم٣. والفعل ركن يأتي على فعِل وفَعَل فيقال: رَكِن إلى الشَّيء ورَكَن يَرْكَنُ ويَرْكُنُ ٤. فكسر التَّاء هنا على أنَّه من رَكِنَ يَرْكَنُ.
_________
١ المحتسب ١ / ٣٣٠.
٢ هود: ١١٣.
٣ البحر المحيط ٥ / ٢٦٩.
٤ لسان العرب (ركن) .
1 / 465
ومثل ذلك عهد إذ ورد في ذلك كسر حرف المضارعة في قراءة يحيى بن وثاب١ في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ...﴾ ٢.
قال الزَّمخشري: "وقرئ إعهد بكسر الهمزة، وباب فَعِل كلّه يجوز في حروف مضارعته الكسر إلاَّ في الياء، وأعهد بكسر الهاء.."٣.
ومن ذلك في النَّثر ماذكره أبو حاتم السّجستاني من أنَّه سمع حترش بن ثمال - وهو عربي فصيح - يقول في خطبته: "الحمد لله إحمده وإستعينه وإتوكل عليه" فيكسر الألفات كلّها٤. وكذلك ما ذكره ابن خالويه من قولهم: "ربِّ اغفر وارحم، واعف عمَّا تِعلم إنَّك أنت الأعزُّ الأكرم"٥، فاتَّضح ممَّا سبق أنَّ كسر حرف المضارعة من الصَّحيح السَّالم وارد في لهجات العرب إذا كان الماضي على فعِل بكسر العين.
ومثلها قراءة من قرأ ﴿تِعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا إِعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك﴾ ٦ بكسر حرفي المضارعة٧ و﴿تِقْرَبَا﴾ بكسر التَّاء أيضًا٨؛ لأنَّه من قَرِبْتُ أقْرَبُ.
_________
١ يحيى بن وثَّاب الأسدي الكوفي القارئ العابد، تابعيّ ثقة مقرئ الكوفة. توفي سنة ثلاث ومائة. معرفة القراء الكبار ١ / ٦٤، ٦٥.
٢ يس: ٦.
٣ الكشَّاف ٣ / ٣٢٧.
٤ انظر اللهجات العربية في التراث ١ / ٣٨٩.
٥ ليس في كلام العرب ص ١٠٢ - ١٠٣ وبغية الآمال ص١٥٢.
٦ المائدة: ١١٤.
٧ نسبها ابن خالويه في المختصر ص ٤٢ إلى الأعمش.
٨ من قول الله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ . سورة البقرة: ٣٥. وقراءة الكسر لابن وثاب. انظر مختصر ابن خالويه ص ١٢، وإعراب القراءات الشَّواذ ١ /١٤٩.
1 / 466
ب المضاعف [مضاعف الثلاثي]:
المضاعف يقصد به ما كانت عينه ولامه من جنس، مثل شدَّ ومدَّ؛ إذ أصلهما شَدَد ومَدَدَ، جرى فيهما وفي أمثالهما إدغام لكون الحرفين من مخرج واحد بلا فصل بينهما.
وهذا النَّوع من الأفعال هو ما عناه سيبويه في الكتاب بقوله: "وعَضِضْتُن فأنتن تِعْضضن وأنت تِعَضِّين "١.
فالفعل عَضَّ من باب فَعِل يَفْعَل تقول: قد عَضِضْتُه أَعَضُّهُ. جرى فيه كسر حرف المضارعة، ومن ذلك قراءة يحيى٢ والأعمش٣ وطلحة٤ بخلاف. ورواه إسحاق الأزرق٥ عن حمزة٦: ﴿فَتِمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ ٧. وذلك من قول الله ﵎: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتِمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ ٨.
والفعل مَسَّ على فَعِل ومضارعه على يفعل. تقول: مَسِسْتُه بالكسر أَمَسُّه مَسًّا ومَسِيسًا: لَمَسْتُه، هذه اللّغة الفصيحة. ومَسَسْتُه بالفتح أمُسُّه
_________
١ الكتاب ٤ / ١١٠.
٢ ابن وثاب وتقدمت ترجمته.
٣ الأعمش سليمان بن مهران أبومحمّدالكوفي، مولى بني أسد ت ١٤٨؟. انظر معرفة القراء الكبار للذّهبي ١/٩٦.
٤ طلحة بن مصرف أبو محمّد الهمذاني الكوفي، تابعيّ كبير، له اختيار في القراءة ينسب إليه، توفي سنة ١١٢؟، انظر سير أعلام النّبلاء ٥ / ١٩١ - ١٩٣.
٥ ابن يوسف الواسطي، كان فيمن أخذوا القراءةعن حمزة. توفي ١٩٥؟. انظرطبقات القراءلابن الجزري١/١٥٨.
٦ ابن حبيب الزّيات، أحد القرّاء السّبعة توفّي ١٥٦؟. انظر معرفة القراء الكبار ١/ ١١٨.
٧ المحتسب ١ / ٣٣٠.
٨ هود: ١١٣.
1 / 467
بالضَّم لغة١. فكسر حرف المضارعة في القراءة المذكورة على اللغة الفصيحة، وبهذا يتّفق مع داعي الكسر المذكور في كلام أهل اللّغة.
ومثلها قراءةَ ﴿تمِسَّنَا النَّارُ﴾ ٢ بكسر التَّاء٣.
ضَلَّ اللغة الفصيحة في هذا الفعل فَعَل يفعِل وعلى هذا ليس جاريًا على قاعدة كسر حرف المضارعة، وفي قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي ...﴾ ٤ قُرئ: ﴿إضَلُّ﴾ بكسر الهمزة وفتح الضَّاد٥، وهذا على أنَّ الفعل من قولهم: ضَلِلت أَضَلُّ وذلك على لغة أهل الحجاز٦.
ومثل ذلك ما جاء في اللِّسان: " وكان ينشد [أي: ابن دريد] هذا البيت:
كان لنا وهو فُلُوٌّ نِربَبُه
كَسَرَ حرف المضارعة ليعلم أنّ ثاني الفعل الماضي مكسور٧. وذكر الجندي أنه قرئ ﴿وَنِقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ﴾ . بكسر النون٨ ولم يعزه _________ ١ اللسان (مسس) . ٢ سورة البقرة: ٨٠. ٣ إعراب القراءات الشَّواذ ١ / ١٨١. ٤ سبأ: ٥٠. ٥ نسب ابن خالويه هذه القراءة لعبد الرّحمن المقرئ، وكذا أبوحيَّان في البحر.انظر مختصر ابن خالويه ١٢٣، والبحر المحيط ٧ / ٢٩٢. وذكرها الزّمخشري في الكشَّاف ٣ / ٢٩٥ بدون نسبة. ٦ انظر اللّسان (ضلل) . ٧ اللِّسان: ربب. ٨ اللهجات العربية في التراث: ١/٣٩٣. والآية من سورة الحج (٥) .
كَسَرَ حرف المضارعة ليعلم أنّ ثاني الفعل الماضي مكسور٧. وذكر الجندي أنه قرئ ﴿وَنِقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ﴾ . بكسر النون٨ ولم يعزه _________ ١ اللسان (مسس) . ٢ سورة البقرة: ٨٠. ٣ إعراب القراءات الشَّواذ ١ / ١٨١. ٤ سبأ: ٥٠. ٥ نسب ابن خالويه هذه القراءة لعبد الرّحمن المقرئ، وكذا أبوحيَّان في البحر.انظر مختصر ابن خالويه ١٢٣، والبحر المحيط ٧ / ٢٩٢. وذكرها الزّمخشري في الكشَّاف ٣ / ٢٩٥ بدون نسبة. ٦ انظر اللّسان (ضلل) . ٧ اللِّسان: ربب. ٨ اللهجات العربية في التراث: ١/٣٩٣. والآية من سورة الحج (٥) .
1 / 468
إلى مصدر معين، ولم أقف عليه فيما رجعت إليه من مصادر، فإن صح ما ذكر فذلك غير ممتنع - لغةً - ويدخل في باب المضاعف.
جـ الصَّحيح المهموز:
أَمِنَ فعل صحيح مهموز، ورد كسر حرف المضارعة منه في قراءة ابن وثاب١ وأبي رزين٢ في قول الله تعالى: ﴿مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا﴾ ٣ إذ قرآ "مالك لاتيمنا" بكسر التَّاء مع الإدغام. وفي مصحف ابن مسعود: ﴿تِيمنه. وكذلك في مصحف أبيّ بن كعب: ﴿تِئمنه﴾ ٤.
ألم أَلِمَ يأْلَمُ على فَعِل يفعَل. ولذا جاء كسر حرف المضارعة فيه في قراءة يحيى بن وثاب: ﴿فإنَّهم ييلمون كما تيلمون﴾ وذلك من قول الله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ...﴾ ٥ بكسر حرفي المضارعة الياء والتَّاء.
وقد استوقفت هذه القراءة ابن جنِّي من حيث إنَّ أحد الحرفين الياء. يقول ابن جنِّي في هذه القراءة: "العرف في نحو هذا أن من قال: أنت تِئمن وتِئلف وإيلف، فكسر حرف المضارعة في نحو هذا إذا صار إلى الياء فتحها ألبتة،
_________
١ تقدّمت ترجمته.
٢ مسعود بن مالك، ويقال ابن عبد الله أبوزيد الكوفي، لم يحفظ ابن الجزري سنة وفاته. غاية النّهاية في طبقات القرّاء لابن الجزري ٢ / ٢٩٦.
٣ سورة يوسف: ١١.
٤ اللهجات العربية في التراث ١ / ٣٨٩.
٥ النِّساء: ١٠٤. وقرأ ذلك بالكسر ابن وثاب وابن المعتمر. انظر المحتسب ١ / ١٩٨، وشرح التسهيل ٣ / ٤٤٨، والبحر ٣ / ٣٤٣.
1 / 469
فقال: يألف، ولايقول: هو ييلف، استثقالًا للكسرة في الياء "١. أمَّا كسر التَّاء فهو جارٍ على نظائره، وذكر النَّحاس أنَّها قراءة عبد الرَّحمن الأعرج، وقال: "ولايجوز عند البصريين في تألمون كسر التاء لثقل الكسر فيها "٢. ومراده أنَّ الثقل نشأ من تتابع الكسرة والياء، لا أن الكسرة مستثقلة على التاء.
أذن الفعل أذن صحيح مهموز وهو من باب فعِل يفعَل وقد ورد كسر حرف المضارعة منه في قراءةٍ شاذَّة في قول الله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ ٣ إذ قرئت إيذن بكسر الهمزة وياءٍ بعدها ووجهه أنَّه كسر حرف المضارعة فصارت الألف ياءً ٤.
ومن ذلك ماجاء في قول منصور بن مرثد٥ الأسدي:
قلتُ لبوابٍ لديه دارُها ... تِئذن فإني حَمْؤُها وجارُها
بكسر التَاء. وإن كان جُعِل كسر حرف المضارعة هنا بسبب حذف لام الأمر، إذ الأصل: لتئذن، إلاَّ أنِّي أرى أنَّه من باب كسر حرف المضارعة لأنَّ الفعل أذِن يأذن على فعِل يفعَل فقد توافرت فيه شرائط كسر حرف المضارعة. وممَّا يقوّي القول بأنَّه من قبيل كسر حرف المضارعة قول ابن مالك: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ايذن٦.
كما أنَّ كون الشَّاعر من بني أسد التي تُسْلَكُ في القبائل التي تكسر حرف المضارعة يؤيد ذلك والله أعلم.
_________
١ المحتسب ١ / ١٩٨.
٢ إعراب القرن ١ / ٤٨٦.
٣ الأعراف: ١٢٣.
٤ إعراب القراءات الشواذ ١ / ٥٥٤.
٥ إصلاح المنطق ص ٣٤٠، والمغني ص ٢٩٨.
٦ انظر شرح الكافية الشَّافية ٣ / ١٥٧٠، والمغنى ٢٩٨.
1 / 470