يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس/ ٩٦ - ٩٧]. والآيات في هذا كثيرة، وخيرُ ما فسَّرتَه بالوارد.
فإن قيل: هذا التفسير الذي ذكرتم ما يفيد رجحانه مشكل؛ لأن تنكير ﴿قُرءَانًا﴾ من قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ ينافي إرادة هذا القرآن المعيَّن؛ لأن مقتضى التنكير بالوضع الشيوع في جنس القرآن، فتفسير قرآنٍ منكَّير بهذا القرآن المعيَّن لا يخلو من إشكال.
فالجواب: أن تنكير المعتن على سبيل التجريد المعروف عند علماء البلاغة دالّ على تعظيمه، وهو معنى معروف في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)﴾ [فاطر/ ١٤]. يعني نفسه جل وعلا.
ومنه قول قتادة بن سلمة الحنفي:
فلئن بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الغنائم أو يموت كريم
يعني نفسه.
ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته:
ترَّاك أمكنةٍ إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النفوس حماها
يعني نفسه.
ثم سألونا عن وجه الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ [الإسراء/ ١٦] وبين قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف/ ٢٨].