وأنت الذي ربيت ذا الملك مرضعًا ... وليس له أم سواك ولا أب
وكنت له ليث العرين لشبله ... ومالك إلا الهند واني مخلب
لقيت القنا عنه بنفس كريمة ... إلى الموت في الهيجا من العار تهرب
وقد يترك النفس التي لا تهابه ... ويخترم النفس التي تتهيب
وما عدم اللقوك بأسًا وشدةً ... ولكن من لاقوا أشد وأنجب
ثناهم وبرق البيض في البيض صادق ... عليهم وبرق البيض في البيض خلب
سللت سيوفًا علمت كل خاطب ... على كل عود كيف يدعو ويخطب
ويغنيك عما ينسب الناس انه ... إليك تناهى المكرمات وتنسب
واي قبيل يستحقك قدره ... معد بن عدنان فداك ويعرب
وما طربي لما رأيتك بدعة ... لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
وتعذلني فيك القوافي وهمتي ... كأني بمدح قبل مدحك مذنب
ولكنه طال الطريق ولم أزل ... أفتش عن هذا الكلام وينهب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق ... وغرب حتى ليس للغرب مغرب
إذا قلته لم يمتنع من وصوله ... جدار معلى أو خباء مطنب
وقال يمدحه:
منى كن أن البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب
ليالي عند البيض فوادي فتنة ... وفخر وذاك الفخر عندي عاب
وكيف أذم اليوم ما كنت أشتهي ... وأدعو بما أشكوه حين أجاب
جلا اللون عن لون هدى كل مسك ... كما انجاب عن ضوء النهار ضباب
وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه ... ولو أن ما في الوجه منه حراب
لها ظفر أن كل ظفر أعده ... وناب إذا لم يبق في الفم ناب
يغير مني الدهر ما شاء غيرها ... وأبلغ أقصى العمر وهي كعاب
واني لنجم تهتدي بي صحبتي ... إذا حال من دون النجوم سحاب
غني عن الأوطان لا يستفزني ... إلى بلد سافرت إليه إياب
وعن ذملان العيسى ما سمحت به ... وأن ففي أكوارهن عقاب
وأصدى فلا أبدي إلى الماء حاجة ... وللشمس فوق اليعملات لعاب
وللسر مني موضع لا يناله ... نديم ولا يفضي إليه شراب
وللخود مني ساعة ثم بيننا ... فلاة إلى غير اللقاء تجاب
وما العشق إلا غرة وطماعة ... يعرض قلب نفسه فيصاب
وغيرب فؤادي للغواني رمية ... وغير بناني للزجاج ركاب
تركنا لأطراف القنا كل شهوة ... فليس لنا إلا بهن لعاب
نصرفها للطعن فوق حوادر ... قد انقصفت فيهن منه كعاب
أعز مكاني في الدنى سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
وبحر أبي المسك الخضم الذي له ... على كل بحر زخرة وعباب
تجاوز قدر المدح حتى كأنه ... بأحسن ما يثنى عليه يعاب
وغالبه الأعداء حتى عنوا له ... كما غالبت بيض السيوف رقاب
وأكثر ما تلقى أبا المسك بذلة إذا لم تصن إلا الحديد ثياب
وأوسع ما تلقاه صدرًا وخلفه ... رماء وطعن والأمام ضراب
وأنفذ ما تلقاه حكمًا إذا قضى ... قضاء ملوك الأرض منه غضاب
يقود إليه طاعة الناس فضله ... ولو لم يقدها نائل وعقاب
أيا سيدًا في جسمه ضيغم ... وكم أسد أرواحهن كلاب
ويا آخذًا من دهره حق نفسه ... ومثلك يعطى حقه ويهاب
لنا عند هذا الدهر حق يلطه ... وقد قل إعتاب وطال عتاب
وقد تحدث الأيام عندك شيمة ... وتنعمر الأوقات وهي يباب
ولا ملك إلا أنت والملك فضلة ... كأنك سيف فيه وهو قراب
أرى لي بقربي منك عينًا قريرةً ... وان كان قربًا بالبعاد يشاب
وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أملت منك حجاب
أقل سلامي حب ما خف عنكم ... وأسكت كيما لا يكون جواب
وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب
وما لانا الباغي على الحب رشوة ... ضعيف هوىً يبغى عليه ثواب
وما شئت إلا أن أدل عواذلي ... على أن رأيي في هواك صواب
وأعلم قومًا خالفوني فشرقوا ... وغربت أني قد ظفرت وخابوا
جرى الخلف إلا فيك أنك واحد ... وانك ليث والملوك ذئاب
وانك لو قويست صحف قارئ ... ذئابًا فلم يخطئ فقال ذباب
1 / 34