والمشيئة الأخرى: مشيئة في خلق الخلق، وقسم الأرزاق، وما أراد في إنفاذ ما قد سبق عنده، في علمه من الأمور. وما به الخلق عاملون، وإليه صائرون.
ولو كانت المشيئة من الله تعالى واحدة كما قالت القدرية لم يختلف على الله تعالى، فيما أراده من الخلق، كما لم تختلف إرادته، في خلق السموات والأرض، وغير ذلك ولكان العباد فيما أمرهم به مطيعين كما أطاعته السموات والأرض.
وذلك أنه لو كانت إرادته فيما أمر به من الطاعة مثل إرادته فيما أراد من خلق الخلق، لكان الذين قال لهم: { كونوا قوامين بالقسط } لا يكونون إلا كذلك كما أراد منهم كما زعموا يعني القدرية: أنه تعالى، لم يرد منهم غير الطاعة. ولكان الذين قال لهم: { كونوا مع الصادقين } لا يكونون أبدا إلا مع الصادقين؛ لأن أهل القدر، زعموا أن الله لم يرد في العباد، ولا للعباد، إلا إرادة واحدة. وهي إرادة الإيمان.
... ولو كان ذلك كذلك، لكان كل من قال لهم: "كونوا كذا وكذا يكونون كما قال لهم". فكما قال لليهود: { كونوا قردة خاسئين } كان كما أراد منهم. فلم تمت إرادته في بعض، وفي بعض لا؟
... وهم يزعمون أن الله أراد من العباد الإيمان، ولم يرد فيهم ولا منهم غيره. ولكن لعلم أهل اللب أن الله تعالى، لم يعص بقسر، ولا استكراه، ولا بغلبة. ولكن إرادته تعالى، نفذت في كل ما أراد.
... وكذلك وصف نفسه فقال: { والله على كل شيء قدير } فمن ذا الذي يضاده في مشيئته، وهو على كل شيء قدير.
... ويقال للقدرية: هل علم الله ما العباد عاملون، وإلى ما هم إليه صائرون؟ فإن قالوا: لا كفروا.
... وإن قالوا: نعم.
... قيل لهم: فأراد إنفاذ ما علم؟ أم إبطاله؟
... فإن قالوا: لم يرد أن يكون ما علم، كما علم، كفروا.
... وإن قالوا: أراد أن يكون ما علم، كما علم، انقطعت حجتهم، التي يحتجون بها، في الإرادة. وبالله التوفيق.
الباب الرابع والثمانون
في الاستطاعة والدليل أنها مع الفعل
Halaman 68