في نفي الارتفاع والعلو المعقول بالمسافة عن الله عز وجل قال المؤلف: زعم أهل الجهل أن الله رفيع رفع المسافة. وتأولوا قوله تعالى: { رفيع الدرجات } أي ذاته مرتفعة رفع المسافة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولو ارتفع البارئ عز وجل رفع المسافة كما زعموا لانقطعت حدوده وأقطاره، وتناهيه بالمسافة، ولكان الهواء أكبر منه. وإن قالوا: إنما هو أكبر جثة لانقطاع حدوده الأقطار، كما زعم من زعم أنه جثة. وزعم: أنه جوهرة واحدة سبيكة، افتراء على الله. فكل جثة أو شخصن وإن كبر، فله الحد والنهاية والهواء محيط بكليته، من خلف حدوده ونواحيه تعالى الله عن ذلك.
وإنما قال الله تعالى: { رفيع الدرجات } يعني يرفع درجات من يشاء من عباده المؤمنين، في الجنة، لا رفيع هو، لأن العرش العالي المسافة الذي تحمله الملائكة، ليسه أقرب إلى الله تعالى من تخوم الأرضين، وما تحت الثرى. بل البارئ محيط بخلقه. إحاطة علم، بالعلم والتدبير، لا إحاطة جثة تعالى الله عن ذلك.
وقوله: { تعرج الملائكة والروح إليه } إنما تعرج إلى المكان الذي لا يتولى الحكم وإنفاذ الأمر فيه إلا هو عز وجل.
وقوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب } إلى المكان أيضا الذي لا يتولى الحكم، وإنفاذ الأمور فيه إلا هو عز وجل وهذا المكان يقال له: عليون. وبالله التوفيق.
الباب التاسع والستون
في عند ومع وإلى والدنو والتقرب
والرد على المشبهة فيما احتجت به من جواز
المكان على الله تبارك وتعالى
قال المؤلف: قد قلنا آنفا فيما تقدم: إن المسافة لا يجوز، وبينا فساد ذلك.
وكذلك تقول في قرب المسافة: لا يجوز على الله تعالى؛ لأن قرب المسافة بين الجسمين، إنما دنو حدود المجسمين والشخصين، من بعضهما إلى بعض، وبقرب حد الجسمين. وإنما يجوز ذلك على الأجسام التي قسرت وجبرت على الحدود والنهاية. فلذلك جاز عليها بعد المسافة، وقرب المسافة.
Halaman 55