الباب السادس الخمسون والمائة في الرد على من قال من الجهمية: إن الجنة والنار يفنيان في الآخرة
وأن نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار يفنى
وأنه إلى مدة
قال المؤلف: الدليل على أنهما باقيتان لا تفنيان: قوله تعالى: { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } .
فالقائل بفناء الجنة والنار، قد نقض كتاب الله تعالى. فمن لم يؤمن بالجنة والنار، وأنهما باقيتان كبقاء الآخرة،وأن أهلها لا يخرجون منها، فقد كفر.
وإن احتجوا بقوله تعالى: { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } فقد شاء الله الخلود للفريقين؛ لأنه قد علمنا أنه قد شاء الخلود، بقوله في أهل الجنة { خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه } . وقوله في أهل النار: { خالدين فيها أولئك هم شر البرية } والله تعالى، إنما خلق الخلق لنعيم الآخرة، لا لسكونهم في الدنيا. وإنما كفر الكافر لسوء اختياره. ولو لم يكفر، لكان في نعيم الآخرة كغيره ممن آمن، لأن الله تعالى إنما خلق الخلق لينفعهم. فلا منفعة أعظم من خلودهم في النعيم. فلذلك لم يهلكهم ويصرهم عدما. وبالله التوفيق.
الباب السابع والخمسون والمائة
في خلق الله الخلق
لم خلقهم ورزقهم وأمهاتهم وحاسبهم
وأثابهم وعذبهم؟
خلق الله الخلق ليريهم حكمته. ورزقهم ليريهم نعمته. وأماتهم ليريهم قدرته وبعثهم ليربهم رأفته. وحاسبهم ليريهم هيبيته. وغفر لهم ليريهم رحمته. وعذبهم ليريهم عدله.
فإن قيل: لم خلقهم طورا طورا؟
قيل له: ليكون ذلك أدل على كمال القدرة، لأن كل طور من تلك الأطوار يكون في نفسه دلالة ظاهرة بالغة كاملة، على قدرته وتكوينه. وخلقه لهم دفعة واحدة، دلالة واحدة. والله تعالى قادر أن يخلق السموات والأرض، وما بينهما،وما فيهما دفعة واحدة، في أسرع من طرفة عين. فقد خلقهم في ستة أيام؛ ليعلم أنه تعالى يريد التأني في الأمور. فلهذا قيل: العجلة من الشيطان، والتأني من الله. وكانت أمور الدنيا على التراخي.
Halaman 138