والصلاة في نظر المسلم ليست تكليفًا شاقًا يقوم به، ولكنها متعة من أعظم المُتَع يحظى بها.
يروي الناس الحديث فيجعلونه «حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة». وليس في نص الحديث كلمة «ثلاث»؛ الحديث: «حُبِّب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجُعلت قُرّة عيني في الصلاة» (١). ذلك لأن متعة الصلاة ليست من جنس مُتَع الدنيا. مُتَع الدنيا لا تدوم؛ إما أن تزول أنت عنها أو تزول هي عنك، إما أن تتركها أنت أو تتركك هي، ولو بقيَت عليك لما بقيت لها متعتها. ألا ترون الفقير حين تمرّ به سيارة الغني، فيتوهّم أنه إنْ مَلَكها ملك الدنيا وجُمعت له لذاذاتها ونعمها وإن ركب فيها يومًا فقد نال ما هو من الأحلام؟ ولكن سلوا صاحبها الغني: هل يجد فيها هذه المتعة؟ ويمرّ الفقير بقصر الغني فيحسب أنه إن كان له مثله فقد نال الأماني كلها، فسلوا صاحب القصر: هل يجد فيه هذه المتعة التي يتوهمها الفقير؟
إن لذائذ الدنيا إذا نالها الإنسان وأَلِفَها ذهبت الألفة بمتعتها، وصارت عادة له يَالَمُ لفقدها ولكنْ لا يحسّ بوجودها، إنها كالسراب. ألا تعرفون السراب؟ ترونه من بعيد ماءً صافيًا، فإذا وصلتم إليه لم تجدوا إلا الرمل والتراب. وكذلك لذائذ الدنيا، لا تُرى إلا من بعيد. لقد كنتم في النهار وأنتم صائمون في هذا الحرّ تشتهون شربة ماء بارد وطبق طعام شهي، فها أنتم أولاء الآن وقد أكلتم حتى شبعتم وشربتم حتى رويتم، لو أُجبرتم على ما كنتم
_________
(١) أخرجه النسائي وأحمد (مجاهد).
1 / 72