إن المرء لا يعرف قَدْر الصحة إلا عند المرض، فإذا مرض وعجز عن العمل نظر بعينيه وتحسّر وقال: آه، يا ليتني عملت وأنا صحيح!
وإذا كثرت عليك الأشغال وضاق الوقت تمنيتَ أن تجد زيادة ساعة ولو دفعت ثمن كل دقيقة ليرة! يعرف هذا التلميذُ الذي تأتيه ساعةُ الامتحان ولا يزال عليه مئة صفحة من الكتاب، والمتعهد الذي تأتيه ساعةُ التسليم ولا يزال عليه إنجاز شيء من العمل، والمسافر المضطر الذي يصل إلى المطار بعدما طارت الطيّارة بخمس دقائق. بل ربما بلغ ثمن الدقيقة في تقدير الإنسان مئة ألف ليرة، كالوالد الذي يحمل العفو لولده المحكوم فيجد أن حكم الموت قد نُفِّذ فيه منذ دقيقة واحدة!
وإذا كان معك المال الوفير فبذّرته وأضعته ثم احتجتَ إلى القليل فلم تجده، قعدتَ متحسرًا. وإذا أدركك المشيب فعجزت وضعفت أسفت على أيام الشباب وتمنيت لو كنت صنعت فيها ما تتمنى الآن عمله وتعجز عنه.
ثم إذا كان الموت، وطُوَيت صفحات الأعمال، ووجدتَ عِظَم ثواب الحسنات وعظم عقاب السيئات، تمنيت أن تسبّح تسبيحة واحدة أو تصلي ركعة فلا تستطيع.
لقد جمع هذه المعاني كلها حديث واحد، حديث أرجو أن يكتبه كل واحد منكم بالخط الجميل ثم يعلقه في صدر مجلسه لينظر فيه دائمًا ويجعله دستورًا له: «اغتنم خمسًا قبل خمس؛ صحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك،
1 / 49