كان علي بن أبي طالب ﵁ قد رسم لأبي الأسود الدُؤلي حروفًا يعلمها الناس لما فسدت ألسنُتهم، فكان لا يحب أن يظهر ذلك ضنا به بعد علي ﵁. فلما كان زياد وجه إليه أن اعملشيئًا تكون فيه إماما وينتفع به الناسُ، فقد كنت شرعت فيه لتصلح ألسنة الناس! فدافع بذلك حتى مر يوما بكلاء البصرة، وإذا قارى يقرأ (أَنَّ ألله بَرِيء مِنَ المشرِكِينَ وَرَسُوِله) وفي آخرين، حتى سمع رجلا قال: سقطت عصاتي. فقال: لا يحل لي بهد هذا أن أترك الناس. فجاء إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير، فلبغ لي كاتبًا حصيفا ذكيا يعقل ما أقول. فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يَرضه، فأتي بآخر من ثقيف، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بحرف فانقط نقطة على ألاه، إذا ضَممتُ فمي فانقُط نُقطة بين يدي الحرف، وإذا كسرت فاضجَعلِ النُقطة تحت الحرف، فإذا أتبعتُ ذلك عُنَّةً، فاجعل النقطة نقطتين. ففعل. فهذا نقطُ أبي الأسود، وعمل الرفع والنصب والجر. واختلف الناي إليه يتعلمون العربية.
وكان ابرع أصحابه واحفظهم عنه عنبسة، فلما مات وكان ألقنهم عنه ميمُون الأقْرَنُ أخذ الناس عنه، فلما مات وكن اكثر الناس أخذا عنه عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولى الحضارمة أخذوا عنه، وهو أول من بعج النحو ومد القياس والعلل. وكان معه أبو عمرو العلآء. قال سماك بن حرب: لا أظنُ فيهم أحدا أتم فهما ولا أحسن عقلا من أبي إسحاق؛ فنجم من اصحابه عيسى بن عمر الثقفي، ونجم من أصحاب عيسى الخليل بن أحمد الفراهيدي. قال شعبة: ولا أظن أنه كان فيهم مثله ولا أكمل منه. وأخذ عن الخليل عمر بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب وهو سيبويه؛ وأخذ عن سيبويه أبو الحسن الأخفش أبو عثمان المازني، ولا أعلم أن أحد ضبط عنه ظبطه. فأما خلف الأحمر فأخد النحو عن عيسى بن عُمر، وأخذ اللغة عن أبي عمرو.
وجمع بلال بن أبي بردة بين ابن أبي إسحاق وابي عمرو بالبصرة، وهو يومئذ والٍ عليها، ولاه خالد بن عبد الله القسري أيام هشام بن عبد الملك. قال يونس: قال أبو عمرو: فغلبني ابن أبي إسحاق بالهمز يومئذ، فنظرت فيه بعد ذلك وبالغتُ فيه. وأخذ يونس حبيب عن أبي عمرو، وكان مع ابن أبي إسحاق وأبي عمرو مَسْلَمَةُ بن عبد الله بن سعد بن محارب الفهري وهو مسلمة النحو، كان ابن أبي إسحاق خاله؛ وكان معهم حماد بن الزبرقان، وكان يونس يُفضله في النحو. ومدح الفرزدق يزيد بن عبد الملك بأبيات فيها:
مُسْتَقْبِلِينِ شمال الشامِ تَضِربُنا ... بحاصب كنديف القطن منْثُور
على عَمائمِنا يُلقَى وأَرْحُلنا ... على زَواحِف تُرْجَى مُخُّها رير
قال ابن أبي إسحاق: أخطأت، أنما هي ريرُ، وكذلك قياس النحو في هذا الوضع. قال يونس: والذي قال جائز حسنٌ. فلما ألُّحو على الفرزدق قال: " زواحف نُزجيها محاسير ". قال التوزي: يقال: رير ورار وهو المخ الرقيق، وكيح الجبل أسفله، وقيدٌ رُمح وقاد رمُح.
من اخبار العلماء والنحاة والرواة من اهل البصرة
١ - من أخبار أبي الأسْوَد
هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس - ويقال حُلَيس - بن نُفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
قال يونس: الدُول في بني حنيفة ساكنة الواو، والديل في عبد القيس ساكنة الياء، والدُؤل مهموز في بني كنانة رهط أبي الأسود. وقال عيسى بن عمر: الدُئلي بكسر الهمز والقياسُ الفتح. - أدرك أبو الأسود حياة رسول الله ﷺ، قال: وُلدتُ عام الفتح. وهاجر الى البصرة على عهد عمر بن الخطاب، واستعمله عليٌّ على البصرة خلافة لعبد الله بن العباس، وكان شيعةً له، وهو شاعر مجيد مكثر، وعنه أخذ يحيى بن يعمر.
1 / 2