Nur al-Taqwa wa Dhulumat al-Ma'asi fi Daw' al-Kitab wa al-Sunnah
نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسنة
Penerbit
مطبعة سفير
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نور التقوى
وظلمات المعاصي
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «نور التقوى وظلمات المعاصي» أوضحت فيها نور التقوى، ومفهومها، وأهميتها، وصفات المتقين، وثمرات التقوى، وبيّنت فيها: ظلمات المعاصي، ومفهومها، وأسبابها، ومداخلها، وأصولها، وأقسامها، وأنواعها وآثارها، على الفرد والمجتمع، وعلاج المعاصي وأصحابها.
لاشك أن الله ﷿ يحب المتقين، ويجعل لهم المكانة العالية في الدنيا والآخرة، ولهم الفوز والفلاح في الدارين، ويهديهم الله للعلم النافع، والعمل الصالح، ويحصل بها تيسير الأمور، ويجعل الله للمتقين نور العلم والإيمان يمشون به في ظلمات الجهل، والضلال، قال الله ﷿:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ
1 / 3
وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (١).
وأما أصحاب المعاصي فهم يتقلّبون في ظلماتها، ويُحرمون نور العلم النافع، ويجدون الظلمات في قلوبهم، قال ابن عباس ﵄: «إن للحسنة: ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، وَوَهَنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق» (٢).
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وقد قسَّمتُ هذا البحث إلى مبحثين، وتحت كل مبحث مطالب على النحو الآتي:
المبحث الأول: نور التقوى وثمراتها:
المطلب الأول: مفهوم التقوى.
المطلب الثاني: أهمية التقوى.
المطلب الثالث: صفات المتقين.
المطلب الرابع: ثمرات التقوى.
المبحث الثاني: ظلمات المعاصي وأضرارها:
المطلب الأول: مفهوم المعاصي وأسماؤها.
المطلب الثاني: أسباب المعاصي.
المطلب الثالث: مداخل المعاصي.
_________
(١) سورة الحديد، الآية: ٢٨.
(٢) ذكره ابن القيم في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص١٠٦.
1 / 4
المطلب الرابع: أصول المعاصي.
المطلب الخامس: أقسام المعاصي.
المطلب السادس: أنواع المعاصي.
المطلب السابع: آثار المعاصي على الفرد والمجتمع.
المطلب الثامن: العلاج.
والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يجعل هذا العمل مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، نافعًا لي في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه ﷿ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ليلة الأربعاء، الموافق ١٧/ ١٠/١٤١٩هـ
1 / 5
المبحث الأول: نور التقوى وثمراتها
المطلب الأول: مفهوم التقوى
التقوى لغة: الحذر، يقال: اتقيت الشيء، وتَقَيْتُهُ أتقيه تُقَى، وتِقيَّةً، وتِقاءً: حذرتُه. وقوله ﷿: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ (١)، أي هو أهلٌ أن يُتّقى عقابه، وأهل أن يُعمل بما يُؤدّي إلى مغفرته (٢).
وأصل التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تقيه منه، فتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه: من غضبه وسخطه، وعقابه وقايةً من ذلك. وهو فعل طاعته واجتناب معصيته (٣)، فظهر من ذلك أن حقيقة التقوى كما قال طلق بن حبيب ﵀: «التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله» (٤).
ويدخل في التقوى الكاملة: فعل الواجبات، وترك المحرّمات، والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات، وترك المكروهات، وهو أعلى درجات التقوى (٥)، وقد عرّف التقوى الكاملة
_________
(١) سورة المدثر، الآية: ٥٦.
(٢) انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الياء، فصل الواو، مادة «وقي»، ١٥/ ٤٠٢، والقاموس المحيط، باب الياء، فصل الواو، مادة «وقى»، ص١٧٣١.
(٣) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ١/ ٣٩٨، وانظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير، ٢/ ١٨١.
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ١/ ٤٠٠.
(٥) المرجع السابق، ١/ ٣٩٩.
1 / 6
الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ﵁ في تفسيره لقول الله ﷿: ﴿اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ (١)، فقال: «أن يُطاع فلا يُعصَى، ويُذكر فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر» (٢)، قال الحافظ ابن رجب ﵀: «وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات، ومعنى ذكره فلا يُنسى: ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته، وسكناته، وكلماته: فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها» (٣).
وذكر الإمام القرطبي ﵀: «أن قول الله ﷿: ﴿اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ بَيَّنه قوله تعالى: ﴿فاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (٤)، وأن المعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، وبيّن أن هذا أصوب من القول بالنسخ؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن فهو أولى» (٥).
وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرّمات، كما قال أبو هريرة ﵁ وسُئل عن التقوى؟ فقال: «هل أخذت طريقًا ذا شوكٍ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوكَ عدلتُ عنه، أو جاوزتُه، أو قصرتُ عنه، قال: ذاك التقوى، وأخذ هذا المعنى ابن المعتز، فقال:
خلِّ الذنوب صغيرَها ... وكبيرَها فهو التقى
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(٢) أخرجه الطبراني، في المعجم الكبير، ٩/ ٩٢، برقم ٨٥٠٢، والحاكم في المستدرك، ٢/ ٢٩٤، وابن جرير في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ٧/ ٦٥، وذكر طرقًا كثيرة من رقم ٧٥٣٦ إلى رقم ٧٥٥١.
(٣) جامع العلوم والحكم، ١/ ٤٠١.
(٤) سورة التغابن، الآية: ١٦.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ٤/ ١٦٦.
1 / 7
واصنع كماشٍ فوق ... أرض الشوك يحذر ما يَرَى
لا تحقرنَّ صغيرة ... إن الجبالَ من الحصى (١)
المطلب الثاني: أهمية التقوى
التقوى من أهم أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة؛ لأمور، منها:
أولًا: أن الله ﷿ أوصى الأوّلين والآخرين بالتقوى فقال ﷾: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ الله﴾ (٢)، فهذه وصية عظيمة للأولين والآخرين بالتقوى المتضمِّنة للأمر والنهي، وتشريع الأحكام، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب، والمعاقبة لمن ضيَّعها وأهملها بأليم العقاب، ولهذا قال: ﴿وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ الله غَنِيًّا حَمِيدًا﴾.
قال العلامة السعدي ﵀: «﴿وَإِن تَكْفُرُواْ﴾ بأن تتركوا تقوى الله وتشركوا بالله ما لم يُنزِّل به سلطانًا فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم، ولا تضرون الله شيئًا، ولا تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له، خاضعون لأمره؛ ولهذا رتّب على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ الله غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ له الجود الكامل، والإحسان الشامل، الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الإنفاق، ولا يغيضها نفقةـ سحّاء الليل والنهار» (٣).
_________
(١) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ١/ ٤٠٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٣١.
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص١٧١.
1 / 8
والحميد من أسماء الله تعالى الحسنى الدال على أنه المستحق لكل حمد ومحبة، وثناء وإعظام، وذلك لما اتّصف به من صفات الحمد، التي هي صفة الجمال والجلال؛ ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال، فهو المحمود على كل حال، وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين «الغني الحميد»؛ فإنه غني محمود، فله كمال من غناه، وكمال من حمده، وكمال من اقترن أحدهما بالآخر» (١).
ثانيًا: أمر الله ﷿ بالتقوى، وأوجب العمل بها على عباده في آيات كثيرة، منها:
١ - قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (٢).
٢ - وقال ﷿: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (٣).
٣ - وقال ﷿: ﴿وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٤).
٤ - قال الله ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٥).
_________
(١) انظر: المرجع السابق، ص١٧١.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٨١.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٤٨، وانظر: الآية: ١٢٣.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٣١.
(٥) سورة النساء، الآية: ١.
1 / 9
٥ - وقال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (١)، والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة جدًا (٢).
ثالثًا: أمَرَ النبيُّ ﷺ بالتقوى، وحث عليها في أحاديث كثيرة، منها:
١ - عن أبي أمامة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدُّوا زكاة أموالِكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم» (٣).
٢ - أوصى النبي ﷺ معاذ بن جبل ﵁ بالتقوى، ووصيّته لرجل واحد وصيّة للأمة فقال: «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيّئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (٤)، وقوله ﷺ: «اتقِ الله حيثما كنت»، قال الحافظ ابن رجب ﵀: «مراده في السر والعلانية، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه» (٥)، وكان النبي ﷺ يسأل الله ﷿ خشيته في السر
والعلانية فيقول في دعائه: «... أسألك خشيتك في الغيب والشهادة» (٦)،
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ١٨.
(٢) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص٧٥٩ - ٧٦٠، فقد ذكر الأمر بالتقوى في تسعةٍ وسبعين موضعًا في القرآن الكريم.
(٣) الترمذي، كتاب الصلاة، بابٌ منه: ١/ ٢، برقم ٦١٦، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ١/ ١٩٠، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٨٦٧.
(٤) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس،٤/ ٣٥٥،برقم ١٩٨٧،وقال: «هذا حديث حسن صحيح»،وأحمد في المسند،٥/ ١٥٣،والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي،١/ ٥٤.
(٥) جامع العلوم والحكم، ١/ ٤٠٧.
(٦) النسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر: نوع آخر، ٣/ ٥٤، برقم ١٣٠٥، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ١/ ٢٨٠، وهو حديث طويل.
1 / 10
قال الحافظ ابن رجب ﵀: «وخشية الله في الغيب والشهادة: هي من المنجيات» (١)، وقال: «وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل ... خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفُلُ ساعةً ... ولا أن ما يُخفى عليه يغيبُ (٢)
وقال ابنُ السَّمَّاك ﵀ (٣) ينشد:
يا مُدمِن الذنب أما تستحي ... والله في الخلوةِ ثانيكا
غرَّك من ربك إمهالُهُ ... وسَتْرُهُ طُولَ مساويكا (٤)
وقال أبو محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني ﵀ في نونيته:
وإذا ما خلوت بريبة في ظُلمةٍ ... والنفسُ داعيةٌ إلى الطُّغيانِ
فاستحي من نَظَرِ الإله وقُل لها ... إن الذي خلق الظلام يراني (٥)
وقال آخر:
يا من يرى مدَّ البعوض جناحه ... في ظلمة الليل البهيم الأليَلِ
_________
(١) جامع العلوم والحكم، ١/ ٤٠٧.
(٢) المرجع السابق، ١/ ٤٠٩.
(٣) هو الزاهد القدوة سيد الوعاظ، أبو العباس محمد بن صبيح العجلي ابن السماك، المتوفى سنة ١٩٣هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي، ٨/ ٣٢٨ - ٣٣٠.
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ١/ ٤١٠.
(٥) نونية القحطاني، ص٢٥.
1 / 11
ويرى نياط عروقها في نحرها ... والمخ يجري في تلك العظام النُّحَلِ
امنن عليَّ بتوبةٍ تمحو بها ... ما كان مني في الزمانِ الأولِ
٣ - وعن العرباض بن سارية ﵁ قال: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّعٍ فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطاعة ...» (١).
قال الحافظ ابن رجب ﵀: «فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة» (٢).
٤ - وعن بريدة ﵁ أنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سرية أوصاه في خاصّتِهِ بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ...» (٣).
٥ - لأَهمِّية التقوى دعا النبي ﷺ ربه فسأله التُّقَى، فعن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى» (٤).
رابعًا: أكثر ما يُدخل الجنةَ التقوى، فعن أبي هريرة ﵁ قال: سُئل
_________
(١) أخرجه أبو داود، ٤/ ٢٠١، برقم ٤٦٠٧، والترمذي، ٥/ ٤٤، برقم ٢٦٧٦، وأحمد في المسند،
٤/ ٤٦، وابن ماجه، ١/ ١٥، برقم ٤٣، ٤٤.
(٢) جامع العلوم والحكم، ٢/ ١١٦.
(٣) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، ٣/ ١٣٥٦، برقم ١٧٣١.
(٤) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما علم ومن شر ما لم يعلم، ٤/ ٢٠٨٧، برقم ٢٧٢١.
1 / 12
رسول الله ﷺ عن أكثر ما يُدخل الناسَ الجنةَ، فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق»،وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: «الفم، والفرج» (١).
خامسًا: التقوى أهم من اللباس الحسّي الذي لا غنى للإنسان عنه؛ لأن لباس التقوى لا يبلى ولا يبيد، ويستمرّ مع العبد، وهو جمال القلب والروح، وأما اللباس الظاهر فغايته أن يستر العورة الظاهرة، في وقت من الأوقات، أو يكون جمالًا للإنسان، وليس وراء ذلك منه نفع، وبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة التي لا يضرّه كشفها مع الضرورة، أما بتقدير عدم لباس التقوى، فإنه تنكشف عورته الباطنة، وينال الخزي والفضيحة (٢)، قال الله ﷿: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ (٣)، وهذا اللباس هو الذي لا يستغني عنه الإنسان طرفة عين، وبدونه لا قيمة له ولا كرامة ولا فلاح، ولقد أحسن القائل حين قال:
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى ... تقلّب عريانًا ولو كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ... ولا خير فيمن كان لله عاصيًا
سادسًا: التقوى أهم من الطعام والشراب، قال الله ﷿: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ (٤)، قال ابن عمر ﵄:
_________
(١) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، ٤/ ٣٦٣، برقم ٢٠٠٤، وقال: «هذا حديث صحيح غريب»، وحسن الألباني إسناده، في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ١٩٤.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٢٤٨.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ٢٦.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٩٧.
1 / 13
«إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر» (١).
وأمر الله ﷿ بالتزود في السفر؛ لأن في التزوّد الاستغناء عن المخلوقين، والكفّ عن أموالهم؛ ولأن التزود فيه نفع وإعانة للمسافرين، وهذا الزاد المراد منه: إقامة البنية: بلغةً ومتاعًا. ولما أمر الله بالزاد للسفر في الدنيا أمر بالزاد الحقيقي: زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، وهو الزاد المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه، فهو زاد التقوى، الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل إلى أكمل لذّة، وأجلِّ نعيم، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين (٢)، وقد أحسن القائل:
تزوَّدْ من التقى فإنك لا تدري ... إذا جُنَّ ليل هل تعيش إلى الفجرِ
فكم من صحيح مات من غير علة ... وكم من عليل عاش حينًا من الدهر
المطلب الثالث: صفات المتقين
المتقون لهم صفات وأعمال نالوا بها السعادة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الصفات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
أولًا: قال الله ﷿: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٣)، ففي
_________
(١) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير،١/ ٢٢٧،وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص٧٤.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٧٤.
(٣) سورة البقرة، الآيات: ١ - ٤.
1 / 14
هذه الآيات مجموعة مباركة من صفات المتقين، هي:
١ - الإيمان بالغيب.
٢ - إقام الصلاة.
٣ - الإنفاق الواجب والمستحب في جميع طرق الخير.
٤ - الإيمان بالقرآن والكتب المنزلة السابقة.
٥ - الإيقان والإيمان الكامل بالآخرة، واليقين هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك.
ومن عمل بهذه الصفات كان على الهدى العظيم، وكان من المفلحين الفائزين في الدنيا والآخرة (١).
ثانيًا: قال الله ﷿: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (٢)، ففي هذه الآية العظيمة بيّن الله ﷿ كثيرًا من أعمال المتقين، وصفاتهم الكريمة العظيمة، وهي:
١ - الإيمان بالله ﷿.
٢ - الإيمان باليوم الآخر.
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٢٤.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
1 / 15
٣ - الإيمان بالملائكة.
٤ - الإيمان بالكتب التي أنزل الله ﷿.
٥ - الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
٦ - إعطاء المال، للأقرباء، واليتامى، والمساكين، والمسافرين، والسائلين، وإعتاق الرقاب.
٧ - إقام الصلاة.
٨ - إيتاء الزكاة.
٩ - الوفاء بالعهد.
١٠ - الصبر في الفقر، والمرض، ووقت قتال الأعداء.
١١ - الصدق في الأقوال، والأفعال، والأحوال.
فهؤلاء الذين عملوا هذه الأعمال صدقوا في إيمانهم؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم، وهم المفلحون؛ لأنهم تركوا المحظورات وفعلوا المأمورات؛ ولأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير: تضمنًا ولزومًا؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله، ومن قام بهذه الأعمال كان لما سواها أقوم، فهؤلاء هم الأبرار الصادقون، المتقون (١).
ثالثًا: قال الله ﷿ بعد أن بيّن أن الشهوات زُيِّنت للناس: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٦٦.
1 / 16
وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ (١)، وقد ظهرت أعمال مباركة، وصفات كريمة من صفات المتقين في هذه الآيات الثلاث، هي:
١ - التوسّل إلى الله ﷿ بالإيمان به.
٢ - طلب المغفرة من الله ﷿.
٣ - طلبهم من الله ﷿ الوقاية من عذاب النار.
٤ - الصبر على طاعة الله وعن محارم الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
٥ - الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال.
٦ - القنوت الذي هو دوام الطاعة مع الخشوع.
٧ - الإنفاق في سبيل الخيرات على الفقراء وأهل الحاجات.
٨ - الاستغفار خصوصًا وقت الأسحار؛ لأنهم مدّوا الصلاة إلى وقت السحر فجلسوا يستغفرون الله تعالى (٢).
فهؤلاء لهم أصناف الخيرات والنعيم المقيم، ولهم رضوان الله، الذي هو أكبر من كل شيء، ولهم الأزواج المطهّرة من كل آفة ونقص: جميلات الأخلاق، كاملات الخلائق (٣).
رابعًا: قال الله ﷿: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
_________
(١) سورة آل عمران، الآيات: ١٥ - ١٧.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص١٠٣.
(٣) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري، ٦/ ٢٥٩ - ٢٦٧، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص١٠٣.
1 / 17
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (١)، في هذه الآيات أعمال عظيمة وصفات كريمة لأهل التقوى، ذكرها الله بعد أن أمرهم بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي أعدها للمتقين، وهذه الصفات على النحو الآتي:
١ - الإنفاق: في العسر واليسر، والشدة والرخاء، والمنشط والمكره، والصحة والمرض.
٢ - كظم الغيظ وعدم إظهاره، والصبر على مقابلة المسيء إليهم، فلا ينتقمون منه.
٣ - العفو عن كل من أساء إليهم بقول أو فعل.
٤ - ذكر الله وما توعّد به العاصين، ووعد به المتقين فيسألوه المغفرة لذنوبهم.
٥ - المبادرة للتوبة والاستغفار عند عمل السيئات الكبيرة والصغيرة.
٦ - عدم الإصرار على الذنوب والاستمرار عليها، بل تابوا عن قريب.
ثم بيّن الله ﷿ جزاءَهم على عمل هذه الصفات: مغفرة من ربهم وجنات فيها من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر (٢).
_________
(١) سورة آل عمران، الآيات: ١٣٣ - ١٣٦.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ١/ ٣٨٤، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص١١٦.
1 / 18
خامسًا: قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (١).
في هذه الآيات أعمال عظيمة من أعمال المتقين، وصفات كريمة، هي:
١ - الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى عباد الله.
٢ - صلاة الليل الدالة على الإخلاص وتواطؤ القلب واللسان، فكان نومهم بالليل قليلًا.
٣ - الاستغفار بالأسحار قبيل الفجر، فقد مدّوا صلاتهم إلى السحر، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل يستغفرون الله.
٤ - الإنفاق على المحتاجين الذين يطلبون من الناس، والذين لا يسألونهم.
وهذه صفات المتقين الذين أدخلهم الله الجنات المشتملات على جميع أصناف الأشجار والفواكه، وعلى العيون السارحة تشرب منها تلك البساتين، ويشرب منها عباد الله المتقون (٢).
وهذه نماذج وأمثلة من صفات المتقين، وهي كثيرة في كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ.
_________
(١) سورة الذاريات، الآيات: ١٥ - ١٩.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٧٥١.
1 / 19
المطلب الرابع: ثمرات التقوى
التقوى لها ثمرات يجنيها المتقي في الدنيا والآخرة، وعلى حسب العمل بصفات المتقين يكون السبق في الحصول على هذه الثمرات، ومن هذه الثمار على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي:
أولًا: الانتفاع بالقرآن الكريم، والفوز بهداية الإرشاد، وهداية التوفيق، قال الله ﷿: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (١).
ثانيًا: معيّة الله مع المتقين، قال الله ﷿: ﴿وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (٢)،وقال ﷿: ﴿إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (٣)، وهذه معيّة التوفيق والتسديد، والنصرة، والتأييد، والإعانة، والحماية، كما قال الله ﷿ حكاية عن محمد ﷺ وقوله لأبي بكر ﵁: ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا﴾ (٤)، وأمّا المعيّة العامّة فهي معيّة شاملة لكل شيء، بسمعه، وبصره، وعلمه، قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٥).
ثالثًا: المكانة العالية عند الله يوم القيامة، قال الله ﷿: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ
كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (٦).
_________
(١) سورة البقرة، الآيتان: ١ - ٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٩٤.
(٣) سورة النحل، الآية: ١٢٨.
(٤) سورة التوبة، الآية: ٤٠.
(٥) سورة الحديد، الآية: ٤.
(٦) سورة البقرة، الآية: ٢١٢.
1 / 20
رابعًا: التوفيق لنيل العلم النافع وتحصيله، قال الله ﷿: ﴿وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (١).
خامسًا: التقوى تثمر دخول الجنة وما فيها من أنواع النعيم، ومن ذلك، ما يأتي:
١ - الفوز بالجنة، قال الله ﷿: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ (٢).
٢ - ميراث الجنة، قال ﷿: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ (٣)، وقال سبحانه: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (٤)، وقال ﷿: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (٥).
٣ - المتقون لهم نعم الدرجات، قال الله ﷿: ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ (٦).
٤ - نيل ما تشتهيه الأنفس، قال الله ﷿: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ﴾ (٧)، وقال
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٨٢.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٥.
(٣) سورة مريم، الآية: ٦٣.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٣٣.
(٥) سورة النساء، الآية: ٧٧.
(٦) سورة النحل، الآية: ٣٠.
(٧) سورة النحل، الآية: ٣١.
1 / 21