ولكن هالة مسكينة؛ فما تستطيع أن تتصور يحيى كما تريد السيدتان أن ترسماه، دون أن تضحك ضحكا ساخرا يتشكل في كثير من الأحيان كلمات لاذعة.
وهكذا لم يكن عجيبا أن يرحب الجميع بذلك العريس الذي تقدم للزواج من هالة.
ولم يكن عجيبا أيضا أن تكون التحريات التي أجروها عنه مبتسرة، تتسم بالتعجل أكثر مما تتسم بالجدية والتعمق.
كل ما عرفوه عنه أنه خريج التجارة العليا، وأن أباه تاجر من أواسط التجار، لا هو بالغني الفاحش الغنى ولا بالفقير المدقع.
العريس اسمه جابر عبد البديع الشحات، في السابعة والعشرين من عمره، ويعمل مع أبيه في التجارة.
له أخ أصغر منه بسنة واحدة، وقد تخرج في كلية الحقوق واسمه حامد، وحامد يعمل بالأعمال الحرة في غير تجارة أبيه بجانب عمله بالمحاماة. والحقيقة في أمر حامد أن مكتبه ستار لأعماله التجارية، فاسم المحامي ومكتبه يخلقان حوله جوا يستطيع عمله التجاري أن ينتفع بهما. وهو فعلا يعمل بالمحاماة ولكنه يختار قضاياه. ولجابر وحامد بعد ذلك أختان تكبرانهما ومتزوجتان ولهما أبناء، أما الكبرى فاسمها حميدة، وأما الصغرى فاسمها رشيدة.
وحين جمع الفرح الأسرة في منزل زكريا باشا أحست راوية أنها تعجلت، ولكن هالة لم تفكر في عقد مقارنة بين أسرتها الجديدة وأسرتها التي عاشت فيها، وإنما هي سعيدة أن تتزوج في هذه السن الباكرة، ويعجب بها شاب أنيق مثل جابر. ولم تكن تجربتها تسمح لها بأن تقدر معنى هذه السلسلة الذهبية الضخمة السميكة المتوحشة التي يعلقها أبوه عبد البديع الشحات على صدره، ولا معنى الفستان الأحمر الذي يسمون أحمره بالأحمر الإنجليزي الذي ترتديه حميدة، ولا معنى الفستان الفستقي اللامع الذي ترتديه رشيدة.
أما راوية وسهير فقد فهمتا تماما أي أسرة ناسبتها ابنتهما المسكينة هالة، ونظرت كل منهما إلى الأخرى نظرة تقول «لماذا؟» لو أن هالة فقيرة وبحثت عن بعض غنى لكان ذلك مفهوما؛ لو أن السن تقدمت بها فشارفت الثلاثين لكان هناك بعض العذر، لو أنها أحبت جابر وأحبها لأصبح الأمر لا يحتاج إلى تبرير.
ولكن هكذا وبدون أي أسباب! لماذا؟
وفي لحظة واحدة اتجهت العيون منهما إلى البك؛ إلى يحيى. ودمعت عينا راوية ولم تخف الدمعات، فالأمهات اللواتي يفقدن أزواجهن مباح لهن دائما أن يبكين في أفراح أبنائهن أو بناتهن، ولكن سهير فهمت معنى الدموع من راوية، ووثقت من فهمها وأطرقت خجلا. لقد جعلها حرصها على أن تجعل ابنها «بيكا» لا تكتنفه السخرية تنصح بتعجيل هذا الزواج دون ريث من تأمل أو بحث أو تفكير.
Halaman tidak diketahui