أعلام رسول الله المنزلة على رسله
أعلام رسول الله المنزلة على رسله
Penyiasat
محمد بن دليم بن سعد القحطاني
Penerbit
دار الصميعي للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٤١ هـ -٢٠٢٠ م
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
أعلام رسول الله المنزلة على رسله صلى الله عليهم في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغير ذلك ودلائل نبوته من البراهين النيِّرَة والدلائل الواضحة
تأليف أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري- رحمة الله عليه ورضوانه.
رواية أبي الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر، المعروف: بابن المعدل الحريري، عن الآجري، عن ابن بُكَيْر التميمي، عن المصنف.
[و] رواية الشيخ أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي- أيده الله بسره- … .
بسماعه … من حمد بن علي بن أبي … الحبال …
سماع: لمحمد بن أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن طوق- نفعه الله به- رواية الشيخ أبي ياسر أحمد بن بندار بن إبراهيم بن بندار، عن أبي الحسن علي بن محمد بن الحسن بن قشيش، عن الآجري.
1 / 153
سماع: الشيخ الجليل العالم أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، نفعه الله به.
سمع جميع هذا الكتاب على الشيخ الأجل العالم الأوحد السيد أبي الكرم المبارك بن الحسن بن الشهرزوري، وسماعه فيه من الشيخ أبي ياسر أخي ثابت، بإسناده المذكور إلى أبي …، الرئيس الأجل أبو منصور مسعود بن عبد الواحد بن محمد بن الحصين بن المقير، إبراهيم الخباز، وأبو منصور محمد بن مسعود بن محمد بن الحسين الخياط، وأبو بكر محمد …، وأبو زكريا يحيى بن معالي بن صدقة بن عمروني العاقولي، وإبراهيم …، وتميم بن سليمان بن معالي العبادي، وأبو المعالي نصر الله بن سلامة بن سالم الهيتي، .... وذلك بقراءة أحمد بن صالح بن شافع بن صالح … الجيلي، وسمع ....، وسمع من البلاغ الأول إلى ....
أخبرنا الشيخ أبي ياسر أحمد بن بندار بن إبراهيم بن بندار، قراءةً عليه في دار …، وأنا حاضر أسمع منه، قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن قشيش، في شهر ربيع الآخر من سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
سمعه جميع وبعضه توالي، وسمع المجلس الأول والثالث …
1 / 154
المجلس الثالث: الشيخ أبو عبد الله الخير محمد النبهاني، وأبو منصور أحمد بن محمد بن يحيى، وأبو صالح المبارك علي بن أحمد … .
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصَّيْرَفِيّ، قراءةً عليه فأقَرَّ به، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر، المعروف: بابن المعدل الحريري، قراءةً عليه فأقرَّ به في جامع المنصور، قال: أخبرنا
1 / 155
أبو حفص عمر بن أحمد بن هارون المقرئ الآجُرِّيُّ، قراءةً عليه في الحرم سنة تسعة وسبعين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن بُكَيْر التميمي، قال: قال لنا أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمة الله عليه:
الحمد لله، بارئ الخلق، وقاسم الرزق، المبتلي بالنعم، والموفق للشكر، الذي أسكن قلوبنا معرفَتَه، وعمَّرَها بخشيته، وأثبتها بذكره، والرجاء لوعده، وهدانا لنوره المستبين، وصراطه المستقيم، وعدل بنا عن سبل الخائنين.
وإياه أسأل- أولًا وآخرًا- أن يصلِّي على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى جميع أنبيائه الكاملين، وأن يثبت قلوبنا على ما أهداها به من معرفته، والإخلاص بتوحيده، ويختم لنا بما ختم به للمستغفرين من المؤمنين.
أما بعد: فإنك كتبت تشكو ما فشا بناحيتك من هذه الشكوك، وفساد القلوب بقوم من الملحدين، طعنوا على الكتاب وعلى الرسول، ومالوا إلى قومٍ من ضعفة المسلمين وقُسّامهم وأحداثهم بالتلبس والتمويه، حتى أثروا في القلوب وقدحوا في البصائر، وتسأل أن أكتب إليك كتابا أُبَيِّنُ فيه أعلام رسول الله الباهرة، ودلائله الظاهرة، من كتب الله المتقدمة الموجودة في أيدي أهل الكتاب ومن القرآن، وأن أُعرض عن ما جاء
1 / 156
في الحديث من ذلك: «كشكوى البعير»، و«كلام الذئب»، و«مشي الشجرة»،
1 / 157
و«تفجر الماء من بين أصابعه»، وأشباه هذا إذ كان أكثر هذه الأحاديث لا نَقَلَةَ لها من الثقات.
وإذا كان التابعون أيضًا يعارضونها بالتكذيب، ويدعون عليها الصنعة، وأنها لو كانت صحاحًا لذُكِرَت في القرآن كما ذُكِرت آيات موسى في التوراة والفرقان، وآيات المسيح في الإنجيل والقرآن، وقالوا قد أراده المشركون على أن يرقى في السماء ويأتيهم بكتاب، وعلى أن يفجر لهم الأرض ينبوعًا، وعلى أن يسقط عليهم السماء كسفا،
1 / 158
فلم يك عنده إلَّا القرآن والعجز عن ذلك، وقال: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣].
وقالوا؛ والله يقول: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩].
وفي هذا دليل على أنه لم تأته آية كآيات من تقدمه من المرسلين.
وقد رأيتك تشكو ما فشا بناحيتك ما هو فاش بكل ناحية وظاهر بكل بلدة، وقد قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
جعلنا الله وإياك منهم، وحشرنا في زمرتهم، ولا سلبنا ما أودعنا من الإيمان به والتصديق لرسله، فإن نواصينا في قبضته، وقلوبنا بيده يقلبها كيف يشاء.
قال الله ﷿ حكاية عن خليله صلى الله عليه: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥].
وحكى عن الراسخين في العلم: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٨].
وقال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤].
1 / 159
وقال رسول الله ﷺ في دعائه: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».
وإذا كان أصفياء الله من خلقه على قلوبهم خائفين، ومن زيغها غير آمنين، فكيف يأمن المستحقون العقوبة من المذنبين.
1 / 160
وقد شكرت لك رحمك الله ما نزلت عليه لِما أمَّلتَ في تكلف ذلك من ثواب الله، وجزيل جزائه، ورأيت ابتغائي لما سألت، وإن كنتَ قد ضيقت من الطريق رحبا، وحجرت واسعا، وشرطت من ذلك ذكر الأخبار ما كنت حقيقًا بأشراط ذكره؛ ليكون الكتاب مطابقا للفن الذي قصدت له، لا سيما إذ كان علينا العناء ولك الهناء، وعلينا النصب ولك الفائدة.
وسأقول في ذلك ما يجوز، وأذكر من الأخبار ما كان له شاهد من الكتب والإجماع، مبلغ العلم ومقدار الطاقة، لعل الله يثني به صادقا، ويرد إلى الحق زائغًا، ويزيد المؤمن بصيرة، ويكتب لنا ما نويناه في ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأبدأ بذكر أعلام نبينا الموجودة في كتب الله المتقدمة؛ لأنها حجتنا على أهل الكتاب من كتبهم وعلى الملحدين، إذ كان يستحيل عندهم أن يخبر موسى بخبر عيسى وعيسى بخبر محمد، وإذا صح أن ذاكم كان لم يكن إلا عن عَلَّامِ الغيوب كتبوه ودُسَّ.
أعلام رسول الله في التوراة:
من ذلك قول الله تعالى في السفر الأول لإبراهيم: «قد أجبت دعاك في إسماعيل، وباركتُ عليه وكثرته وعظّمته جدًّا جدًّا، وسيلد اثنا عشر عظيمًا، وأجعلهُ لأمة عظيمًا».
1 / 161
ثم أخبر موسى بمثل ذلك في هذا السفر، وزاد شيئًا، قال: «لمَّا هربت هاجر من سارة، تراءى لها ملك الله، وقال: يا هاجر أمة سارة، ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإني سأكثر ذريتك وزرعك؛ حتى لا يُحصوا كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا، وتسميه إسماعيل؛ لأن الله قد سمع خشوعك، وتكون يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع».
فتدبَّر هذا القول فإن فيه دليلًا بيِّنًا على أن المراد به رسول الله ﷺ. لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع، وكيف يكون ذلك والنبوة والملك في بني إسرائيل والعيص، وهما أبناء إسحاق، فلما بُعث رسول الله انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل، فدانت له الملوك وخضعت له الأمم، ونَسخ الله به كل شرعة، وختم به النبيين، وجعل الخلافة والملك في أهل بيته إلى آخر الزمان، فصارت أيديهم فوق أيدي الجميع، وأيدي الجميع بالرغبة إليهم مبسوطة بالخصوع.
1 / 162
ومن أعلامه في التوراة:
قال: «جاء الله من سينا، وأشرف من ساعير، واستعلن من جبال فاران».
وليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض؛ لأن مجيء الله من سيناء وإنزاله التوراة [على موسى بطور سيناء]، هكذا هو عند أهل الكتاب؛ وعندنا، وكذلك يجب أن يكون، وإشراقه من ساعير إنزاله على المسيح للإنجيل، وكان المسيح يسكن من ساعير أرض الخليل، بقرية تُدعى: ناصرة وباسمها سُمي من تبعه: نصارى.
وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير، فالمسيح كذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران، بإنزاله القرآن على محمد من جبال فاران، وهي: جبال مكة. وليس بين المسلمين وأهل الكتاب؛ اختلاف في أن فاران هي: مكة. فإن ادَّعَوا أنها غيرُ مكة، وليس بُدٌّ من تحريفهم وإفكهم. قلنا: ليسَ في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران؟ وقلنا: دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران، والنبي الذي أُنزل عليه كتابٌ بعد المسيح، أو ليس استعلن وعلن بمعنى واحد! وهو ما ظهر وانكشف، فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام، وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فُشُوَّهُ؟
1 / 163
ومن أعلامه في التوراة:
قال الله سبحانه في التوراة لموسى في السفر الخامس: «إني أقيم لبني إسرائيل نبيًّا من إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي على فمه».
1 / 164
فَمَنْ أُخْوَةُ بني إسرائيل؟ إلا بَنو إسماعيل، كما نقول: بكر وتغلب ابنا وائل، ثم نقول: تغلب أخوة، وبنو تغلب إخوة بني بكر، يرجع في ذلك إلى إخوة الأولين. [١٢٩/أ]
فإن قالوا: إن هذا النبي الذي وعد الله موسى أن ينبئه لهم؛ هو أيضًا من بني إسرائيل، لأن بني إسرائيل أخوة بني إسرائيل، أكذبتم التوراة، وأكذبتم النظر؛ لأن في التوراة: «إنه لم تقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى».
وأما النظر؛ فإنه لو أراد إني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى، لقال: «أقيم لهم من أنفسهم مثل موسى» ولم يقل: «من إخوتهم» كما أن رجلًا لو قال لرسول: «ائتيني برجل من إخوة بني بكر بن وائل» كان يجب أن يأتيه برجل من بني تغلب بن وائل، ولا يجب أن يأتيه برجل من بني بكر.
ومن قول حبقوق النبي في زمن دانيال:
قال حبقوق: «جاء الله- من التيمن والتقديس- من جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد وتقديسه، ومَلك الأرض بيمينه ورقاب الأمم».
1 / 165
وقال أيضًا: «تُضيء لنوره الأرض، وتحمل خيله في البحر».
وزادني بعض أهل الكتاب، أنه قيل في كلام حبقوق: «وسينزع في قِسِيَّك إغراقًا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء»، وهذا إفصاح باسمه وصفاته. فإن ادَّعَوا أنه غير نبينا وليس ذلك ينكر من جحدهم وتحريفهم؛ فمن أحمد الذي امتلأت الأرض من تحميده، والذي جاء من جبال فاران، فملك الأرضَ ورقاب الأمم؟!
ومن ذكر شعيا له:
قال شعيا عن الله: «عبدي الذي سرت به نفسي».
وترجمه آخر قال: «عبدي خيرتي، رضا نفسي أفيض عليه روحي».
وترجمه آخر، فقال: «أُنزل عليه وحي، فيظهر في الأمم عدلي، ويوصي الأمم بالوصايا، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، ويفتح العيون العور، ويسمع الآذان الصم، ويحيي القلوب الغُلف، وما أعطيه لا أعطي غيره، أحمد يحمد الله حمدًا
1 / 166
حديثًا، يأتي من أقصى الأرض، يفرح البرية وسكانها، ويهللون الله على كل شرف، ويكبر فيه على كل رابية».
وزاد آخر في الترجمة: «لا يضعف ولا يغلب ولا يميل إلى اللهو، ولا يُسمع في [١٢٩/ب] الأسواق صوته، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة؛ على تقوى الصديقين، وهو ركن للمتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفأ ولا يخصم، حتى تثبت في الأرض حجتي ويقطع به العذر، وإلى توراته تنقاد الجن».
وهذا إفصاحٌ باسمه وبصفاته؛ فإن قالوا أي توراة له قلنا: أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم.
ومثل هذا حديث كهمس، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن كعب قال: «شكا بيت المقدس إلى الله الخراب، فقيل له: لأبدلنك توراة محدثة، وعمالًا محدثين، يزفون بالليل زفيف النسور، وينتحبون عليك كما تحن الحمامة على بيضها، ويملؤونك لي خدودًا سجودًا».
1 / 167
ومن ذكر شعيا له:
قال: «أنا الله عظّمتك بالحق، وأيدتك وجعلتك نورا للأمم، وعهدا للشعوب، تفتح أعين العميان، وتنقذ الأسرى من الظلمات إلى النور».
وقال في الفصل الخامس: «إليا؛ آية سلطانه على كتفه»، يريد: علامة نبوته على كتفه- هذا في التفسير من السرياني، وأما في العبراني فإنه يقول: «إن على كتفه علامة النبوة».
ومن ذكر داود له في الزبور:
«وفي الزبور سبحوا الرب تسبيحًا حديثًا، سبحوا الذي هيكله الصالحون، ليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته، وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منهم بالكرامة، يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة،
1 / 168
بأيديهم سيوف ذوات شفرتين؛ لينتقموا لله من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود، وأشرافهم بالأغلال».
فمن هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين غير العرب؟ ومن المنتقم هنا من الأمم الذين لا يعبدونه؟ ومن المبعوث بالسيف من الأنبياء غير نبينا؟
وفي مزمور آخر:
«تقلد أيها الجبار بالسيف، وإنَّ ناموسًا وسرًّا معك، تقرونه لهيبته تميل، وسهامك مسنونة، والأمم يخرون تحتك».
فمن متقلد السيف من الأنبياء غير نبينا؟ ومن خرَّت الأمم تحته غيره؟ ومن قُرنت شرائعه بالهيبة؟ فإما القبول وإما الجزية، وإما السيف ونحوه قوله: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ».
1 / 169
وفي مزمور آخر:
«إن الله أظهر من صهيون إكليلًا محمودًا»، ضرب الإكليل مثلًا للرئاسة والإمامة، و(محمودًا) هو محمد ﷺ.
وفي مزمور آخر من صفته:
«أنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب، تأتيه الملوك بالقرابين وتسجد له، وتدين له الملوك بالطاعة والانقياد، لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وأنه يعطي من ذهب من بلاد سبأ، ويُصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد».
1 / 170
فمن هذا الذي مَلَكَ ما بين البحر والبحر، وما بين دجلة والفرات إلى منقطع الأرض؟ ومن ذا الذي يُصلى عليه، ويبارك في كل وقت من الأنبياء؛ غير نبينا؟
وفي موضع آخر:
«قال داود: اللهم ابعث جاعل السنة حتى يُعلم الناس أنه بشر».
وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد ﵉ قبلهما بأحقاب، يريد: ابعث محمدًا؛ حتى يعلّم الناس أن المسيح بشر، لعِلم داود أن قومًا سيدّعون المسيح ما ادّعوا.
وفي شعيا:
«قيل لي: قم نظارًا فانظر فإذا ترى تخبّر به، قلت: أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما لصاحبه: سقطت بابل وأصنامه المنَجَّرةْ».
1 / 171
وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو: المسيح، وإذا كان صاحب الحمار المسيح! فلم لا يكون محمد صاحب الجمل؟ أوليس سقوط بابل والأصنام المنَجَّرَةْ به وعلى يديه، لا بالمسيح؟ ولم يزل في إقليم بابل ملوك يعبدون الأوثان من لدن إبراهيم ﵇؟ أوليس هو بركوب الجمل أشهر من المسيح بركوب الحمار؟
ذكر المسيح للنبي في الإنجيل:
«قال المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم البارقليط، روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له، وهو يشهد عليّ وأنتم تشهدون، لأنكم معي من قبل الناس، وكل شيء أعدّه الله لكم يخبركم به».
وفي حكاية يوحنا عن المسيح:
أنه قال: «البارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، فإذا جاء وبَّخ العالم على الخطيئة،
1 / 172