وحكمة الابتداء بالفم والأنف لإدراك أوصاف الماء الثلاثة: اللون والطعم والرائحة، وحكمة تقديم المضمضة لشرف منافع الفم، لأنه محل النطق بتوحيد الله وتمجيده، وتلاوة كلامه، وذكره بأسمائه وصفاته، ومحل الإقرار بجملة ما يجب الإقرار به، ومحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأن الصلاة لا تتصور إلا بإجراء ما ينطق به منها على مخارج الحروف، ولأن الفم مدخل القوت الذي به قوام البدن، ولأن اللسان هو ترجمان القلب وقلم العقل.
وعن عمرو بن عنبسة (1) المسمى ربع الإسلام قال: قلت: يا رسول الله، حدثني عن الوضوء
__________
(1) عمرو بن عبسه بن عامر بن خالد بن ناظره، أسلم قديما أول الإسلام، كان يقال هو ربع الإسلام أي رابع أهل الإسلام، قال: تقدمني ثلاثة وكنت رابعهم، قدم المدينة بعد مضي بدر وأحد والخندق، ونزل بعد ذلك الشام، روى عنه الصحابة عبدالله بن مسعود، وأبو أمامة الباهلي، ومن التابعين أبو إدريس الخولاني، وعدي بن أرطأه. (ينظر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر، 3/ 1192، دار الجيل، بيروت - لبنان، ط1، 1412 ه / 1992م، أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين بن الأثير، 4/ 266، وما بعدها، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1407 ه / 1996م).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب إسلام عمرو بن عبسه، ص323، ح (832)، وأخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطهارة، باب ما روي في فضل الوضوء واستيعاب جميع القدم في الوضوء بالماء، 1/ 107، ح (2).
فقال: " ما فيكم من أحد يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق إلا خرجت خطاياه (1) - وفي رواية - إلا خرت خطاياه - أي سقطت - من فيه وخياشمه مع الماء ... " (2) الحديث ويروى: " إلا جرت - بالجيم فالراء المهملة - مع ماء الوضوء " (3) والمراد بالخطايا الصغائر، وخروجها مجاز عن غفرانها، ولأنها أعراض وقيل: بإمكان تشكلها فتخرج حقيقة مع الماء.
وفي الحديث تقديم المضمضة فيقضي بالتفريق بين المضمضة والاستنشاق، وعلل باختلاف العضوين، فيتعين الترتيب كسائر الجوارح، وقيل بندبية الترتيب لأنهما بالمقاربة كعضو واحد، ويظهر أن محل الخلاف في أفضلية الترتيب فلو فعل كيفما أمكنه كان آتيا بالسنة.
ولو عورض هذا الحديث بحديث لقيط بن صبرة (4)
__________
(1) لم أقف على تخريجه بهذه الرواية.
Halaman 44