الثقة ما أحلاها بين الزوجين! حتى وإن كانت على غير أساس؛ لأن الزوجة إذا تحققت انحراف زوجها عن الصراط السوي فلتنبهه أولا باللطف والمحاسنة، فإذا لم تفلح ملاينتها فماذا تعمل؟ إما أن تبقى معه إن كانت ترجو عيشه وتؤمل تحسنه، وإما أن تنفصل عنه وهذه إحدى الكبر، فإذا فضلت معاشرته بسبب حبها له أو لارتباطهما بأولاد، أو لانقطاعها من الأهل والإخوة، فأولى لها وقد تحتم عيشها معه أن تفرض أنه مخلص لها، وأنه لا يتغيب إلا لأشغال نافعة لمستقبلها ومستقبل أولادها، وأنا على يقين أن هذا الفرض متيسر وسهل جدا لمن تبغيه وجالب لطمأنينة وهدوء بال لا يفرقان كثيرا عن مثلهما الصحيحين.
المبدأ الثاني: بغض أقارب الزوج أو الأثرة
مما يطرب له النساء أن يكون أزواجهن لا أهل لهم، فترى الخاطبة أول ما تذكر حسنة للشاب الراغب في الزواج، سيان صدقت أو كذبت أنه لا أهل له، وتبالغ بقولها: «إنه مقطوع من شجرة.» معاذ الله! أيجب أن تفنى أسرة بأكملها ليتزوج منها فرد؟! والإنسان مدني بالطبع فالاجتماع بالغير لا مندوحة عنه والاحتياج للمخالطة ضربة لازب، والمرأة تميل للاستئناس كما يميل الرجل، وتعتز بالأهل كما يعتز هو، وتدرك معنى القرابة والصلة. إذن، فماذا يجعل المرأة تحترم هذا المبدأ فتاة وتتجاهله زوجة؟! أو لماذا هي تحب أقارب نفسها وتبغض أقارب الزوج وتحمله أيضا على مجاراتها؟! إن هي إلا الأثرة أو التنازع على السلطة، الزوجة تريد أن تكون حاكمة بأمرها، مطلقة التصرف في شيئين عزيزين عليها: قلب الرجل، والبيت. فإذا كانت وحدها لا يعيش معها من أهل زوجها أحد ظنت أنها نالتهما، أما إذا عاشرتها حماة أو أخت لزوجها أو ابنة له من غيرها فهناك تنازع البقاء والبغض الذي لا نهاية له، كل تريد أن تستأثر بالسلطة على المملكتين، وتجتهد في الفوز بقلب الرجل أولا، فإذا ما وفقت له نالت الأخرى بغير كبير عناء، ولا تخلو إحدى المتنازعتين من خطأ وصواب؛ إذ لا يمكن أن تكون الواحدة على خطأ محض والأخرى على صواب صراح، ولو علمتا لرضيت كل منهما بقسمها من حب الرجل؛ فالحب البنوي غير الحب الزوجي، وإذا ابتغت امرأة أن تغير على الاثنين كانت مخطئة وتعدت ما وراء حدها.
إذا أرادت الزوجة أن لا يحب زوجها أمه ولا يحترمها ولا يتكفل بلوازمها، وهي محتاجة إليه فقد أثمت، وكذلك أمه إذا حدث زوجة ابنها على ابتسامة ألقاها عليها زوجها أو تغشمرت، وأرادت أن تجعلها كالصنم لا رأي لها بينهما، فهي أيضا قد تناهت في الظلم والقسوة.
نساء اليوم غير نساء الأمس وأذواقهن تختلف باختلاف الزمن، ولكن إذا تحتم أن تعيش فتاة الجيل الجديد مع حماتها ذات الفكر القديم، فما العمل؟ المخاصمة والمعاندة لا تجديان نفعا، فضلا عن أنهما من صفات الطبقة الدنيا، أما النساء المهذبات فلا يبعد أن يختلفن في الرأي، ولكنهن يصرفن الخلاف حالا، ولم تسمع واحدة من الأخرى ما يغيرها عليها.
التساهل أول ما تجب مراعاته في الأسرة، واللطف أجمل صفات المرأة. ترى الزوجة وضع هذا الشيء على اليمين وترى حماتها وضعه على الشمال، فلتتساهل الزوجة فإنها أصغر سنا، ولتبين آراءها فيما تختار بلطف وتواضع، واللين كفيل بتسوية الخلاف. أما إذا تشبثت وأظهرت كبرياء المتمدنات وأصغرت حنكة حماتها وتجاربها بجانب تمدينها الحديث، فربما وصل الأمر إلى أوخم العواقب ، وأصعب قضية يحكم فيها الرجل هي التي بين أمه وزوجه؛ لأنه إذا أرضى أحد الخصمين أغضب الآخر وأمامه أم واحدة، أما النساء فغير زوجته كثيرات، فتدور الدائرة في الغالب على الزوجة، ولو كان رأيها صوابا.
الزوجة التي أول ما تدخل البيت تفرق بين أعضائه المتحابين المربوطين بصلة الأمومة والأخوة شيطان رجيم، يجب عليها أن تتذكر أنها لم تأت إلا من قريب أما هؤلاء الذين معه فمنهم من ربته وتعبت فيه إلى أن صيرته رجلا، ومنهم من يفضله على نفسه ويفديه بما يعز وأحدث واحد فيهم أقدم منها حبا له وارتباطا به، والغريب أن كل امرأة من هؤلاء العجائز كانت تكره حماتها وتريد أن تحبها امرأة ابنها، ولكن الجزاء الحق من جنس العمل.
وإذا سألت الأولاد وجدت أغلبهم يحبون أبناء أخوالهم أشد مما يحبون أولاد عمهم، وهذا ناشئ - ولا شك - عن حب أمهم لأقاربها وبغضها لأقارب زوجها، على أنهم بعيدون عنها ولا ينازعونها السلطة التي تخاف عليها، ولكن كره واحدة سرى في جميع من ينتمون إليها؛ فالزوجة تكرههم بحق أو بغير حق، فضلا عن أهل الزوج يحبون الرقابة على امرأة قريبهم، وقد ذكرنا أنها عدوة الرقابة والتقييد ومبادئها استقلالية مطلقة، على أني لا أفهم كيف تزعم المرأة أنها تحب زوجها ثم هي تبغض أقاربه؟! إن هذا تناقض غريب، فإذا كان ادعاؤها هذا حقيقة وجب أن تحبهم وتحتمل من أجله كل صعب مهما كلفها ذلك الاحتمال.
تنازع الرئاسة على البيت أحد سببي البغض، والسبب الآخر تنازع الرئاسة أيضا ولكن على قلب الرجل، ألا فلتطب نفسا كل امرأة غيور فإن حب الزوجة المكتسب الظاهر غير حب الأهل الغريزي الدفين، كل له صفة خاصة به تجعله لا يقل أهمية عن الآخر، وهما مختلفان لا تدل كثرة أحدهما على قلة الآخر، فهما منفصلان تمام الانفصال.
فالزوجات المتمدينات يجب أن يخفضن قليلا من غلوائهن ولا يبخلن على الحاكمة القديمة في البيت بشيء من السلطة؛ لأن من تعود الحكم صعب عليه أن ينزع منه، وأمهات الأزواج أولى لهن أن لا يتشبثن كثيرا بآرائهن العتيقة؛ فكل زمن يقتضي إصلاحا مغايرا لما قبله، والصلاة والصيام خير لهن من إلقاء مسؤولية البيت وتربية الأولاد على عواتقهن؛ لأنهما مريحان في الدنيا مكسبان أجرا في الآخرة، والسلام.
Halaman tidak diketahui