وإنما العشق اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه حب. وليس كل حب يسمى عشقا، وإنما العشق اسم للفاضل عن ذلك المقدار، كما أن السرف اسم لما زاد على المقدار الذي يسمى جودا، والبخل اسم لما نقص عن المقدار الذي يسمى اقتصادا، والجبن اسم لما قصر عن المقدار الذي يسمى شجاعة.
وهذا القول ظاهر على ألسنة الأدباء، مستعمل في بيان الحكماء. وقد قال عروة بن الزبير: " والله إني لأعشق الشرف كما تعشق المرأة الحسناء ".
وذكر بعض الناس رجلا كان مدقعا محروما، ومنحوس الحظ ممنوعا، فقال: " ما رأيت أحدا عشق الرزق عشقه، ولا أبغضه الرزق بغضه! "
فذكر الأول عشق الشرف، وليس الشرف بامرأة، وذكر الآخر عشق الرزق والرزق اسم جامع لجميع الحاجات.
وقد يستعمل الناس الكناية، وربما وضعوا الكلمة بدل الكلمة، يريدون أن يظهر المعنى بألين اللفظ، إما تنويها وإما تفضيلا، كما سموا المعزول عن ولايته مصروفا، والمنهزم عن عدوه منحازا . نعم، حتى سمى بعضهم البخيل مقتصدا ومصلحا، وسمي عامل الخراج المتعدي بحق السلطان مستقصيا.
Halaman 140