Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genre-genre
قالت الفلاسفة والصائية قولهم الحي يصح منه الاتصاف بالكلام لأنه لو لم يتصف به لاتصف بضده وكثيرا يطردون هذا الدليل في سائر الصفات وهي دعوى مجردة لا برهان عليها إلا الاسترواح إلى الشاهد ونحن نورد عليكم نقضا لهذه القاعدة حتى يتبين أن اعتذاركم عن النقض اعتذارنا عن هذه الدعوى وذلك أن الحي يصح منه الاتصاف بالحواس الخمس ثم الثلث منها كالشم والذوق واللمس يصح في الشاهد ويصح وصفه بها والاتصاف بها كما يصح منه الاتصاف بالسمع والبصر والكلام ثم لم يجز طرد ذلك كله في الغائب ولا يقال أنه لو لم يتصف بها كان موصوفا بضدها بل يجب أن يقال يتعالى الحق عنها وعن أضدادها كذلك قولنا في السمع والبصر والكلام واعتذاركم أن اتصال الأجرام بتلك الحواس شرط في الشاهد كذلك اعتذارنا أن البنية واتصال الأجرام واصطكاكها شرط في الشاهد فلا يجوز أن يوصف الحي بها ولا بضدها جميعا وكثيرا ما يكون من الصفات كمالا في الشاهد ونقصانا في الغائب فبقيت الحجة الأولى عرية عن البرهان وأما قولكم أن الرب تعالى ملك مطاع ذو أمر ونهي فمسلم لكنكم معاشر المتكلمين أنتم منازعون في إثبات الكلام له هو أمر ونهي على وجه يتصف به إما قياما بذاته وإما قياما بغيره فإنا نقول هو ملك مطاع وله أمر ونهي لا على طريق قولي بل على طريق فعلي وهو تعريف المأمور خبرا أن الفعل المأمور به واجب الإقدام عليه بأن يخلق له معرفة ضرورية أن الأمر كذلك إما أن يتكلم بكلام يخلقه في محل أو يتكلم أزلا وأبدا بكلام يسمع في حال ولا يسمع في حال فهو من أمحل المحال وهذا لأن تصريفه تعالى جواهر الخلائق بالفعل على وجه ينقاد له طوعا وكرها لما خلقه له وقدره فيه نازلا منزلة القول ألستم تقرون في كتابكم " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " ثم ذلك ليس خطابا قوليا بل تصريفا وتسخيرا بحيث لو عبر عن تلك الحالة من التصريف والانقياد كان ذلك أمرا بالإتيان وجوابا بالطاعة لا بالعصيان وعلى ذلك المنهاج سيرة العباد في البلاد وتيسيره السير فيها حالة لو عبر عنها بالقول لكان خطابا لهم " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين " وكذلك كل موجود أبدعه الباري تعالى بلا زمان وبلا مادة ولا آلة بحيث لو عبر عن حال الإيجاد والإبداع كان ذلك أمرا بالتكون كما قال " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " وإلا فالخطاب القولي مستحيل أن يتوجه إلى العدم وهذا في المبدأ كذلك نقول في حال الكمال أعني كمال حال الإنسان من النبوة والرسالة أو كمال حال الملائكة من الروح والواسطة فهو يصلون إلى حال في النفوس الشريفة والمناسبات اللطيفة بين الأرواح المجسدة المشخصة وبين الروحانيات البسيطة المجردة بحيث لو عبر عن تلك الحالة كان ذلك وحيا وتنزيلا وخطابا وسؤالا وجوابا وتقريبا وإيجابا وقالوا أيضا لو قدر للباري تعالى كلام فلم يخل من أحد الأمرين إما أن كان من جنس كلام البشر أو لم يكن فإن كان لم يخل أيضا من أحد الأمرين إما أن كان من جنس الكلام اللساني أو من جنس النطق النفساني ويستحيل أن يكون كلامه مثل الكلام في اللسان فإن هذا مركب من حروف منظومة والحروف تقطيع أصوات والأصوات اصطكاك أجرام والباري سبحانه تعالى عن أن يكون جرما أو مركبا من جرم وجسم وإن قدر كلامه يخلقه في محل لم يكن ذلك الكلام قولا له بل فعلا ونحن نوافقكم في التعريفات الفعلية على أن هذا التقدير يستحيل أيضا فإن ذلك المحل إما أن يشتمل على مخارج الحروف أو لا يشتمل فإن اشتمل وجب أن يتحقق فيه حياة فيكون ذا بنية وهيئة إنسانية فيكون إنسانا فيكون الباري تعالى متكلما بلسان بشر فيكون قد تصور بصورة البشر فيلزم أن يقال أنه يسمع بسمعه ويبصر ببصره كما نطق بلسانه ويأخذ بيده ويمشي برجله وهذا هو الحلول الذي ذهب إليه أصحابه وإن لم يشتمل على مخارج الحروف كانت أصواتا مجردة لا حروفا منظومة فلا يكون كلامه من جنس كلامنا بل الأصوات الحادثة من حفيف الشجر ودوي الماء وصوت الرعد يكون كلاما له وذلك خلاف الكلام المتعارف فإن قيل أن كلامه من جنس النطق النفساني فهو باطل أيضا فإن النطق النفسي على وجهين أحدهما ما هو مأخوذ في اللسان عربيا وعجميا وغير ذلك إلى ما يعلم من المعلمين فيكون ذلك تقديرات حروف في الخيال وتصويرات كلمات في الوهم ويستحيل أن يكون كلامه تعالى من جنس المأخوذات والثاني ما هو مركوز في طبيعة النفس من التمييز والتفكير بحيث يعبر عنه باللسان فيكون هو مأخوذ اللسان وذلك أيضا مستحيل لأن ذلك يقتضي ترديد الخواطر وتقليب الأفكار والابتداء من مبدأ والانتهاء إلى منتهى وذلك كله محال فثبت أنه لا يجوز أن يكون من جنس كلام البشر وما كان خارجا عن كلام البشر لا يجوز أن يثبت بالاستدلال على كلام البشر لأن غير الجنس لا يدل على الجنس فيخرج على هذا قولكم أن كل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه فإن هذا وإن سلم في الشاهد فكيف يستمر لكم طرده في الغائب مع تسليمكم أن الخبرين لا يتماثلان إلا في اسم الخبرية وكذلك قولكم أن كل ملك مطاع يجب أن يكون صاحب أمر بالتكليف فإنه مسلم في الشاهد على ما ذكرنا غير مطرد في الغائب على المنهج الذي هو معتاد في الشاهد وهذا الإلزام ليس يختص بمسئلة الكلام بل متوجه على من يجميع بين الشاهد والغائب في معنى لا يشتركان فيه جنسا ومماثلة ويكون حكمه حكم من يجمع بين قرص الشمس ومنبع الماء لا في معنى يشتركان كان فيه جنسا وماثلة بل بمجرد اسم العين المطلق عليهما بالاشتراك.ذلك تقديرات حروف في الخيال وتصويرات كلمات في الوهم ويستحيل أن يكون كلامه تعالى من جنس المأخوذات والثاني ما هو مركوز في طبيعة النفس من التمييز والتفكير بحيث يعبر عنه باللسان فيكون هو مأخوذ اللسان وذلك أيضا مستحيل لأن ذلك يقتضي ترديد الخواطر وتقليب الأفكار والابتداء من مبدأ والانتهاء إلى منتهى وذلك كله محال فثبت أنه لا يجوز أن يكون من جنس كلام البشر وما كان خارجا عن كلام البشر لا يجوز أن يثبت بالاستدلال على كلام البشر لأن غير الجنس لا يدل على الجنس فيخرج على هذا قولكم أن كل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه فإن هذا وإن سلم في الشاهد فكيف يستمر لكم طرده في الغائب مع تسليمكم أن الخبرين لا يتماثلان إلا في اسم الخبرية وكذلك قولكم أن كل ملك مطاع يجب أن يكون صاحب أمر بالتكليف فإنه مسلم في الشاهد على ما ذكرنا غير مطرد في الغائب على المنهج الذي هو معتاد في الشاهد وهذا الإلزام ليس يختص بمسئلة الكلام بل متوجه على من يجميع بين الشاهد والغائب في معنى لا يشتركان فيه جنسا ومماثلة ويكون حكمه حكم من يجمع بين قرص الشمس ومنبع الماء لا في معنى يشتركان كان فيه جنسا وماثلة بل بمجرد اسم العين المطلق عليهما بالاشتراك.
Halaman 94