Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genre-genre
وقد تمهل أبو الحسن وأصحابه أمثلة في جواز تعلق الإرادة على خلاف الأمر منها أن نبيا لو علم من أحد الأمة أنه لو أمر بعشر خصال من الخير توانى فيها ولو أمر بعشرين خصلة ثم حط عشرة منها عنه لم يقصر فيأمره بالعشرين على إرادة امتثال العشرة فهو مأمور بخلاف المراد ومراد بخلاف المأمور ومثل هذا قد وقع ليلة المعراج حيث أمر النبي بخمسين صلاة ثم ردت إلى الخمس ومنها أن رجلا لو اشتكى عند السلطان من عبيده بعصيانهم عليه وقلة مبالاتهم فيستحضرهم الملك فيأمرهم المالك بشيء فهو يريد مخالفتهم إياه تصديقا لمقاله فذلك أمر على خلاف الإرادة ومنها أن الرب تعالى أمر خليله إبراهيم بذبح الولد وهو يريد أن لا يحصل إذ لو أراد لحصل.
وللخصوم عن هذه الأمثلة اعتذارات ولنا عنها غنية وبما سبق من التحقيق كفاية ومن غرق في بحر الحقيقة لم يطمع في شط ومن تعالى إلى ذروة الكمال لم يخف من حط.
وقد تمسكت المعتزلة بكلمات من ظواهر الكتاب منها قوله تعالى " ولا يرضى لعباده الكفر " وقوله " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات انم تميلوا ميلا عظيما " وقوله " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقوله " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " وقوله " وما الله يريد ظلما للعباد " وقوله " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " وقوله " سيقول الذين أشركوا " وقوله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وأجابت الأشعرية بتأويلات وتخصيصات.
وأحسن الأجوبة أن نقول إرادة الله ومشيئته أو رضاه ومحبته لا تتعلق بالمعاصي قط من حيث أنها معاص كما لا تتعلق قدرته تعالى بأفعال العباد من حيث هي أكسابهم فيرتفع النزاع ويندفع التشنيع وخرج ما قدرناه من التحقيق وإن شئت حملت كل آية على معنى يشعر به اللفظ ويدل عليه الفحوى.
أما قوله تعالى " ولا يرضى لعباده الكفر " أي لا يرضى لهم دينا وشرعا فإنه وخيم العاقبة كثير المضرة كمن يشتري عبدا معيبا فيقول له لا أرضى هذا لك عبدا ومما يتقوى به هذا المعنى أن الرضى والسخط يتقابلان تقابل التضاد ثم السخط لم يكن محمولا إلا على ذم في الحال وعقاب في المال كذلك الرضى محمول على الثناء في الحال وثواب في المال.
وأما قوله تعالى والله يريد أن يتوب عليكم وسائر الآيات في الإرادة محمولة على كلمة ذكرها الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنه أن الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا فما أراده بنا أظهره لنا وما أراده منا طواه عنا فما بالنا نشتغل بما أراده منا عما أراده بنا ومعنى ذلك أنه أراد بنا ما أمرنا به وأراد منا ما علمه فكانت الإرادة واحدة يختلف حكمها باختلاف وجه تعلقها بالمراد وهي إذا تعلقت بثواب سميت رضى ومحبة وإذا تعلقت بعقاب سميت سخطا وغضبا وكذلك إذا تعلقت بالمراد على وجه تعلق العلم به قيل أراد منه ما علم وإذا تعلقت بالمراد على وجه تعلق الأمر قيل أراد به ما أمر وإذا تعلقت بالصنع مطلقا بالتخصيص والتعيين من غير التفات إلى كسب العبد حتى يكون أراد منه وأراده به قيل أراد الكائنات بأسرها ولم يقل أراد منها وأراد بها بل أرادها على ما هي عليه من التجدد والتخصيص بالوجود دون العدم فإذا أفعال العباد من حيث أنها أفعالهم إما أن يقال تتعلق الإرادة بها لا على الوجه الذي ينسب إلى العباد بل على الوجه الذي انتسب إلى الخلق إيجادا وتخصيصا وإما أن يقال تعلقت الإرادة بها على الوجهين المذكورين أنه أراد بنا وأراد منا أراد بنا ما أمر دينا وشرعا واعتقادا ومذهبا وأراد منا ما علم سابقة وعاقبة وفاتحة وخاتمة ودل على صحة هذا المعنى قوله " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " أي لما لم يشأ الهداية لحق القول على مقتضى العلم السابق.
وقوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " أي لأمرهم بالعبادة وقيل ليخضعوا ويستسلموا كما قال " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها "
Halaman 88