Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genre-genre
والعجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنهم جعلوا الأنواع مثل الجوهرية والجسمية والعرضية واللونية أشياء ثابتة في العدم لأن العلم قد تعلق بها والمعلوم يجب أن يكون شيا حتى يتوكأ عليه العلم ثم هي بأعيانها أعني الجوهرية والعرضية واللونية والسوادية أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ولا موجودة بانفرادها فيا له من معلوم في العدم يتوكأ عليه العلم وغير معلوم في الوجود ولو أنهم اهتدوا إلى مناهج العقول في تصورها الأشياء بأجناسها وأنواعها لعلموا أن تصورات العقول ماهيات الأشياء بأجناسها وأنواعها لا تستدعي كونها موجودة محققة أو كونها أشياء ثابتة خارجة عن العقول أو ما لها بحسب ذواتها وأجناسها وأنواعها في الذهن من المقومات الذاتية التي تتحقق ذواتها بها لا تتوقف على فعل الفاعل حتى يمكن أن تعرف هي والوجود لا يخطر بالبال فإن أسباب الوجود غير وأسباب الماهية غير ولعلموا أن إدراكات الحواس ذوات الأشياء بأعيانها وأعلامها تستدعي كونها موجودة محققة وأشياء ثابتة خارجة عن الحواس وما لها بحسب ذواتها من كونها أعيانا وأعلاما في الحس من المخصصات العرضية التي تحقق ذواتها المعينة بها هي التي تتوقف على فعل الفاعل حتى لا يمكن أن توجد هي عرية من تلك المخصصات فإن أسباب الماهية غير وأسباب الوجود غير ولما سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنوا أن المتصورات في الأذهان هي أشياء ثابتة في الأعيان فقضوا بأن المعدوم شيء وظنوا بأن وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان فقضوا بأن المعدوم شيء وأن الحال ثابت ساء سمعا وساء إجابة ولولا أني التزمت على نفسي في هذا الكتاب أن أبين مصادر المذاهب ومواردها واشتراك منتها إقدام العقول في مسائل الأصول وإلا لما أهمني كشف الأسرار وهتك الأستار .
وأما أصحاب الهيولي فافترقت فيها على طريقين فرقتين أحدهما إثبات هيولي للعالم مجردة عن الصور وعدوها من المبادئ الأول وهي ثالثها أو رابعها فقالوا المبادئ هي العقل والنفس والهيولي وقالوا المبادئ هو الباري سبحانه والعقل والنفس والهيولي وهي كانت مجردة عن الصور كلها فحدثت الصورة الأولى وهي الأبعاد الثلاثة فصارت جسما مركبا ذا طول وعرض وعمق ولم يكن لها قبل الصورة إلا استعداد لمجرد القبول فإذا حدثت الصورة صارت بالفعل موجودة وهي الهيولي الثانية ثم إذا لحقها الكيفيات الأربعة التي هي الحرارة والبرودة الفاعلتان والرطوبة واليبوسة المنفعلتان صارت الأركان التي هي النار والماء والهواء والأرض وهي الهيولي الثالثة ثم تتكون منها المركبات التي تلحقها الأعراض وهي الكون والفساد ويكون بعضها هيولي بعض.
الطريق الثاني هو أنهم أثبتوا الهيولي غير مجردة عن الصورة قالوا وهذا الترتيب الذي ذكرناه مقدر في العقل والوهم خاصة دون الوجود وليس في الوجود جوهر مطلق قابل للأبعاد ثم يلحقه الأبعاد ولا جسم عار عن الكيفيات ثم عرضت له الكيفيات وإنما هو عندما نظرنا في ما هو أقدم بالطبع وأبسط في الوهم والعقل.
قال أصحاب الهيولي المجردة أما إثبات الهيولي لكل جسم فأمر معقول محقق بالبرهان وذلك أن كل جسم قابل للاتصال والانفصال والتصور والتشكل بالصورة والأشكال ومعلوم أن قابل الاتصال والانفصال أمر وراء الاتصال والانفصال فإن القابل يبقى بطريان أحدهما والاتصال لا يبقى بعد طريان الانفصال وبالعكس فظاهر أن ها هنا جوهر غير الصورة الجسمية يعرض له الاتصال والانفصال معا ثم قالوا ما من انفصال واتصال معين إلا ويمكن زواله وما من شكل وصورة وحيز وجهة إلا وهو عارض لذلك الجوهر فيمكن أن يتعرى عن جميع الصور كما أمكن أن يتعرى عن كل صورة بل يجب أن يكون مبدأ الأجسام المركبة جوهر غير مركب فإن كل مركب لو كان عن مركب لتسلسل إلى غير النهاية فتركب القميص من الغزل والغزل من القطن والقطن من الأركان والأركان من العناصر وهي الهيولي القابلة للصور والكيفيات فإذا انحلت التركيبات فهي البسائط وإذا انحلت البسائط فهي الهيولي المجردة عن كل صورة القابلة لكل صورة.
Halaman 55