Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genre-genre
قيل صفات الإمامة يجوز أن يستدل عليها بالإمارات والأقوال تدل على العلم والفضل وحسن الأفعال تدل على العفة والمهارة بالحرب تدل على السياسة والشجاعة فكما يستدل بالأفعال على الشهادة والقضاء كذلك يستدل على الصفات التي تشترط في الأئمة وإن ظهر بعد ذلك جهل أو جور أو ضلال أو كفر انخلع منها أو خلعناه وما ينقل عن الأموية فهو صحيح إلا أنه لا ينافي الإمامة عندهم وعند من يجوز ذلك على الأئمة.
فإن قيل فما القدر الذي من صفات المدح يصير بها مستحقا للإمامة وما العدد من أمة يصح به عقد البيعة.
قيل القدر من الصفات أن يكون مسلما قرشيا مجتهدا في العلم بصيرا بسياسة الرعية ذا نجدة وكفاية ومن العلماء من نقص من العدد الذي ذكرناه ومنهم من زاد والعدد لعقد البيعة فقيل تتم البيعة برجل عدل وقيل برجلين وقيل بأربعة وقيل بجماعة من أهل الحل والعقد والاجتهاد والبصيرة بالأمور ولو عقد واحد ولم يسمع من الباقين نكير كفى ذلك ويجب الإشهاد به فإنه خطب جسيم ومنصب عظيم والمسائل المرتبة على ما ذكرناه من عقد البيعة لرجلين في صقعين أو إقليمين فإنه إذا خلع نفسه أو أحدث أحداثا يستحق بها الخلع أينخلع أم يستوجب ذلك كله من مظان الاجتهاد وليراجع الكتب المصنفة في الكلام فإني لم أشترط على نفسي في هذا الكتاب نقل ما ذكر في الكلام وإنما شرطت حل المشكلات من المعقولات وبيان منتهى إقدام أهل الأصول في مراتب العقول دون المنقول.
وأما كرامات الأولياء فجائز عقلا ووارد سمعا ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير أسباب الخبر لهم وتعسير أسباب الشر عليهم وحيثما كان التيسير أشد وإلى الخير أقرب كانت الكرامة أوفر وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصح النقل وجب التصديق ولا يجوز الإنكار عليه أليس قد ورد في القرآن قصة عرش بلقيس وقول ذلك الولي " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي " أو لم تكن قصة أم موسى ومريم أم عيسى عليه السلام وما ظهر لهما من الخوارق من إلقاء موسى في اليم كرامة لها ورزق الشتاء في الصيف ورزق الصيف في الشتاء وظهور النخلة في الصحراء من أعظم الكرامات لمريم عليها السلام وما ينقل عن صالحي هذه الأمة أكثر من أن يحصى وهي بآحادها إن لم تفدنا علما بوقوعها فهي بمجموعها أفادتنا علما قطعيا ويقينا صادقا بأن خوارق العادات قد ظهرت على أيدي أصحاب الكرامات.
واعلم أن كل كرامة تظهر على يد ولي فهي بعينها معجزة لنبي إذا كان الولي في معاملاته تابعا لذلك النبي وكل ما يظهر في حقه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته فلا تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات بل هي مؤيدة لها دالة عليها راجعة عنها وعائدة إليها وقد قال النبي كائن في أمتي ما كان في الزمان الأول حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وقال عليه السلام إن في أمتي من مثله مثل إبراهيم الخليل ومن مثله مثل موسى وفي الآية " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " إشارة إلى هذا المعنى ولما كانت شريعته أكمل الشرائع ودينة أكمل الأديان كما قال تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " وجب أن يكون المتحلي بهذا الدين والشريعة أشرف وأكرم ممن تحلى بشريعة أخرى إذ الشرائع والأديان جلابيب النفوس والأرواح وبقدر التحلي بها والثبات فيها والإقبال عليها ينال الشرف والكرامة قال الله تعالى " إن تتقول الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم " وليت شعري أي كرامة تزيد على نيل الفرقان بين الحق والباطل وسبيل النجاة والهلاك وفي الخبر لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وأي كرامة أجل من حصول المحبة بثمراتها المذكورة وفي الخبر لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم وما أوتي أحد من اليقين إلا وما لم يؤت منه أكثر مما أوتي.
قيل بلغنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء قال صلى الله عليه وسلم لو ازداد يقينا لمشى على الهواء.
Halaman 174