Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genre-genre
والأشعري فصل بين السمع والبصر وبين الثلاثة الباقية حيث شرط هاهنا اتصالا جسمانيا وأثبت إحساسا جسمانيا ولم يثبتها في صفات الباري تعالى ولما علم أن لهما اختصاصا بالباطن ردد قوله في أن الإدراك علم مخصوص أو معنى آخر في الحاسة المشتركة ولا يستبعد من مذهبه قيام الإدراك السمعي بالبصر والبصر بالسمع فإن القوم حكموا باتحادهما عند الحاسة المشتركة حتى يصير المرئي مقروءا والمقروء مرئيا فإنهما في حقيقة الإدراك لا يختلفان ومحلهما محل واحد فيتحدان وكلام المعتزلة في الإدراكات مختلط لا ثبات له والله أعلم.
القاعدة السادسة عشر
في جواز رؤية الباري تعالى عقلا ووجوبها سمعا
لم يصر صائر من أهل القبلة إلى تجويز اتصال أشعة من البصر بذاته تعالى أو انطباع شبح يتمثل في الحاسة منه وانفصال شيء من الرائي والمرئي واتصاله بهما لكن أهل الأصول اختلفوا في أن الرؤية إدراك وراء العلم أم علم مخصوص ومن زعم أنه إدراك وراء العلم اختلف في اشتراط البنية واتصال الشعاع ونفي القرب المفرط والبعد المفرط وتوسط الهوى المشف فشرطها المعتزلة ونفوا رؤية الباري تعالى بالأبصار نفي الاستحالة والأشعري أثبتها إثبات الجواز على الإطلاق والوجوب بحكم الوعد ثم ردد قوله إنه علم مخصوص أي لا يتعلق إلا بالموجود أم هو إدراك حكمه حكم العلم في التعلق أي لا يتأثر من المرئي ولا يؤثر فيه ونحن نورد كلام الفريقين على الرسم المعهود.
قالت الأشعرية الموجودات اشتركت في قضايا واختلفت في قضايا والرؤية قد تعلقت بالمختلفات منها والمتفقات ولا يجوز أن يكون المصحح للرؤية ما يختلف فيه فإنه يوجب أن يكون لحكم واحد علتان مختلفتان وهذا غير جائز في المعقولات أو يلزم أن يكون لحكم عام علة خاصة هي أخص من معلولها وما يتفق فيه الجوهر والعرض إما الوجود أو الحدوث هو وجود مسبوق بعدم والعدم لا تأثير له في الحكم فبقي الوجود مصححا بالضرورة وهذا تقسيم حاصر فإن الرؤية بالاتفاق تعلقت بالجوهر والعرض وهما قد اختلفا من كل وجه سوى الوجود والحدوث وقد بطل الحدوث فتعين الوجود ولا يلزم على هذه الطريقة انتشار الأقسام كما لزم على طريق الأصحاب غير استبعاد محض للمعتزلة في قولهم لو كان كل موجود مرئيا لكان العلم والقدرة والطعم والرائحة وما سوى اللون والمتلون مرئيا ولكان نفس الرؤية مرئية بالرؤية وهذا محال ويلتزم أبو الحسن جواز الرؤية في جميع الموجودات على الإطلاق خصوصا إذا قال الرؤية علم مخصوص فالعلم كما يتعلق بهذه الموجودات كذلك الرؤية ولا فرق إلا أن العلم المطلق يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل وهذا العلم لا يتعلق إلا بالموجود فقط فإنه يقتضي تعيين المرئي والتعيين لا يتحقق في العدم وإن سلكنا طريقة العلم فهو أسهل فإن العلم من حيث هو علم نوع واحد وحقيقة واحدة وإذا جوز تعلق العلم به فقد جوز تعلق الرؤية به.
وقد سلك الأستاذ أبو إسحاق طريقة قريبة من هذه فقال الرؤية معنى لا تؤثر في المرئي ولا تتأثر منه فإن حكمه حكم العلم بخلاف سائر الحواس فإنها تؤثر وتتأثر وإنما يلزم الاستحالة فيه أن لو تأثرت الرؤية من المرئي أو تأثر المرئي من الرؤية وكل ما هذا سبيله فهو جائز التعلق بالقديم والحادث وكل مؤثر ومتأثر فهو مستحيل عندنا كما هو مستحيل عندكم ولا كلفة في هذه الطريقة إلا إثبات معنى في البصر لا يؤثر ولا يتأثر وقد أثبتنا من قبل أن الإدراك البصري لا يستدعي اتصال شعاع بالمرئي ولا انفصال شيء من الرائي وإذا بطل الوجهان انتفى التأثير والتأثر وصار المعنى كالعلم أو هو من جنس العلم وقد تقرر الاتفاق على جواز تعلق العلم به وهذا نهاية ما قيل في إثبات الجواز من جهة العقل.
Halaman 124