Nihaya Fi Gharib
النهاية في غريب الأثر
Penyiasat
طاهر أحمد الزاوى - محمود محمد الطناحي
Penerbit
المكتبة العلمية - بيروت
Lokasi Penerbit
١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م
أَيْ عملَك فأصْلح. وَيُقَالُ فُلَانٌ دَنِس الثِّيَاب إِذَا كَانَ خبِيث الفِعل والمذهَب. وَهَذَا كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُبْعث العبدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ ذَهَب بِهِ إِلَى الْأَكْفَانِ بِشَيْءٍ، لأنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُكَفّن بَعْدَ الْمَوْتِ.
(س) وَفِيهِ «مَن لَبس ثَوْب شُهْرةٍ ألْبَسه اللَّهُ ثَوْب مَذَلّة» أَيْ يَشْمله بالذُّل كَمَا يَشْمل الثَّوْب البَدَن، بِأَنْ يُصَغِّره فِي الْعُيُونِ ويُحَقِّره فِي الْقُلُوبِ.
(س) وَفِيهِ «لتشبّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كلاَبس ثَوْبَي زُورٍ» المُشْكِل مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَثْنِية الثَّوْب، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الرجُل يَجْعل لِقَمِيصِهِ كُمَّين، أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ ليُرِيَ أَنَّ عَلَيْهِ قميصَين، وَهُمَا واحِد. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ أحَد الثَّوْبَين زُورًا لاَ الثَّوْبَان. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ تَلْبَسُ عِنْدَ الجِدَة والقُدْرة إِزَارًا وَرِداء، وَلِهَذَا حِين سُئل النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْب الواحد قال: أو كلّكم يَجِد ثَوْبَين؟ وفَسَّرَه عُمَرُ ﵁ بإزارٍ ورِدَاء، وإزارٍ وَقَمِيصٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَرُوي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْغَمْرِ الْأَعْرَابِيَّ- وَهُوَ ابْنُ ابْنَة ذِي الرُّمَّة- عَنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْمَحَافِلِ كَانَتْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ يَلْبَس أحدُهم ثَوْبَين حَسَنَيْن، فَإِنِ احْتَاجُوا إِلَى شَهَادَةٍ شَهِد لَهُمْ بزُور، فَيُمْضون شَهَادَتَهُ بِثَوْبَيه. يَقُولُونَ:
مَا أحْسنَ ثِيَابَه؟ وَمَا أحْسَن هَيْئَتَهُ؟ فيُجيزون شَهَادَتَهُ لِذَلِكَ، والأحْسَن فِيهِ أَنْ يُقال: المتَشَبّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ:
هُو أنْ يَقُولَ أعْطِيت كَذَا، لِشَيْءٍ لَمْ يُعْطَه، فَأَمَّا أَنَّهُ يَتَّصِف بِصِفَاتٍ لَيْسَتْ فِيهِ، يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ مَنَحَهُ إِيَّاهَا، أَوْ يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ وصَلَه بِشَيْءٍ خصَّه بِهِ، فَيَكُونُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَدْ جَمع بَيْن كَذِبَيْن:
أَحَدُهُمَا اتِّصَافُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ وأخْذه مَا لَمْ يَأْخُذْهُ، وَالْآخَرُ الكَذب عَلَى المعْطِي وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوِ النَّاسُ.
وَأَرَادَ بِثَوْبَي الزُّور هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ اللَّذَين ارتكبَهما واتَّصَف بِهِمَا. وَقَدْ سَبق أَنَّ الثَّوْب يُطلق عَلَى الصِّفَةِ الْمَحْمُودَةِ وَالْمَذْمُومَةِ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ التَّشْبيه فِي التَّثْنية، لِأَنَّهُ شَبَّهَ اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(ثَوَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ أَكَلَ أَثْوَار أَقِط» الأَثْوَار جَمْع ثَوْر، وَهِيَ قِطْعة مِنَ الأقِط، وَهُوَ لَبَن جَامِدٌ مُسْتَحْجِر.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «توضّأُوا ممَّا مَسَّت النَّارُ وَلَوْ مِنْ ثَوْر أقِط» يريدُ غَسْل الْيَدِ والفَم مِنْهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ وُضُوء الصَّلَاةِ.
1 / 228