Nietzsche: Pengenalan Ringkas Sangat
نيتشه: مقدمة قصيرة جدا
Genre-genre
إذا استطعنا أن نضفي معنى بعد ذلك على مفهوم البطولة - وهو شيء طالما شكك فيه نيتشه طوال حياته - فسيكون ذلك بالتأكيد من خلال إدراك وهمي لهذه الرؤية. وهذه هي محاولة نيتشه الأولى لتطبيق عبارة أدمنها في أعماله اللاحقة، ألا وهي «تشاؤم القوة». لم يكن نيتشه قليل الخبرة بالقدر الذي يجعله متفائلا، أو يجعله يعتقد أن الحياة ستصبح رائعة في يوم من الأيام، بطريقة يمكن أن يزيد في قيمتها اللابطل. وبما أننا لسنا أبطالا، نستطيع فقط أن نشغل أنفسنا بتحسين «نوعية الحياة» (يتمنى المرء لو كان نيتشه موجودا ليقدم ما كان سيصبح التعليق المناسب الوحيد على تلك العبارة المروعة). ولو شعرنا أنه لا يمكن تحسين نوعية الحياة، فإننا نصبح متشائمين، بل عاطفيين، أو كما يصفنا نيتشه «رومانسيين»، ننوح على مآسي الحياة، وربما نضع مناحاتنا في صورة شعرية مهدئة وملائمة.
يعتبر احتفاء نيتشه بهوميروس والأبطال الذين خلدهم بكتابته «الإلياذة» كافيا ليبرهن على أنه ما من شيء يعيب الفن الأبولوني في حد ذاته، ولكنه قائم على الوهم، ومن ثم فهو متقلب بالفطرة، وقابل للانحطاط إلى شيء أدنى قيمة. وعندما أصبح الإغريق أكثر وعيا بعلاقتهم بالآلهة؛ أدى عصر البطولات الملحمية - الذي يرفض أن يستكشف جوانب يمكن أن تنتج عنها مشكلات - إلى نشوء عصر التراجيديا. ثمة طرق عدة يعبر نيتشه من خلالها عن هذا التحول المهم، ومعظمها متأثر بتبعيته لشوبنهاور التي اتسمت بالحماسية وقصر العمر في الوقت نفسه. في نهاية القسم الأول من «مولد المأساة» كتب نيتشه يقول: «لم يعد الإنسان فنانا مثلما كان عند ابتكاره الآلهة، لكنه أصبح عملا فنيا؛ فالقوة الفنية للطبيعة كلها تتجلى معبرة عن نفسها في هذا الرضا الأسمى للوحدوية البدائية وسط نوبات النشوة.» في هذه المرحلة التي لم تزل مبكرة في «مولد المأساة» ينتابنا شعور، تعتريه الإثارة أو السخط حسب حالتنا المزاجية، بأن نيتشه يختلق كل هذا خلال مسيرته. لقد مر بعدد هائل من التجارب الفنية المؤثرة والعميقة مقارنة بأي تجارب من نوع آخر، وهو يحاول أن يفهمها بالطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يفهمها بها ناقد عظيم، على الأقل منذ انهيار الفكر الكلاسيكي في النقد، وذلك عن طريق تأليف عمل يبدو، في سياقه الجوهري، أنه يطابق قوة تلك التجارب وثراءها.
من هذا المنطلق، تحتل الكلمات والعبارات المقام الأول، ثم يكون عليك أن تفكر فيما يقصده بها. إنه أسلوب اتبعه نيتشه طوال الفترة التي زاول فيها الكتابة، ولكنه سرعان ما أدرك أنه لا يلائم طريقة التعبير المعتادة في بحث ذي موضوع واحد ويتمتع بامتيازات البحث الأكاديمي. والفقرة التي اقتبستها أعلاه مثال جيد على ذلك؛ فبعد أن يصف الإغريق المنتمين إلى عصر هوميروس بأنهم فنانون، بفضل قدراتهم الإبداعية على اختلاق آلهة متقلبة الأهواء (وهي قدرات كان يجب أن يتحلوا بها كي يطيقوا الحياة)، فإنه ينتقل إلى فكرة أنهم هم أنفسهم يتحولون إلى أعمال فنية، لكن انتقاله يتم في المقام الأول على مستوى اللعب بالكلمات من أجل غرض جاد، ثم يكون عليه أن يبرره، بعد أن يشرح معناه أولا. وينقذه مفهوم شوبنهاور (الذي قدم إطارا يمكن به تطبيق فكره) الذي يدور حول أنه خلف جميع المظاهر الفردية توجد وحدوية واحدة ثابتة على نحو أساسي، فيحتفي بالإغريق الذين ينتجون التراجيديا؛ لأنهم حولوا الرجال إلى أعمال فنية، أو بصيغته البديلة «مبتكري حياة». فهم يدركون أنهم لكي يواجهوا الواقع بدلا من الولع بالمظاهر البراقة، فإن عليهم أن يتأقلموا مع حقيقة أن الحياة «في حد ذاتها» تدمر الفرد على نحو دائم، وأن يتيحوا لأنفسهم نبذ استقلاليتهم، والاستمتاع بالفن الديونيسيوسي الذي كان المعقل الذي يتحصنون به من المهرجانات الديونيسيوسية للبربر الهمجيين، والتي كانت تدور في محورها حول «النقص المفرط في الانضباط الجنسي، الذي غمرت أمواجه كل القواعد المبجلة المنظمة للحياة الأسرية. وهنا أفلت من الأسر أكثر وحوش الطبيعة ضراوة، حتى ذلك المزيج المنفر من الحب والقسوة الذي طالما اعتبرته «مزيجا شيطانيا»» («مولد المأساة»، 2).
يتميز الفن دائما، حتى في صورته الديونيسيوسية، بشكل خاص، ومن ثم فإنه يزيف - حتى نقطة معينة - موضوعه، الذي هو عبارة عن دوامة معدومة الشكل من الألم المتصل بالمتعة، وإن كانت الغلبة للألم. ولكنه يجب أن يمارس هذا التزييف؛ لأنه من دونه سنجده غير محتمل. لذلك في موضع لاحق من الكتاب عندما يناقش نيتشه مقطوعة فاجنر «تريستان وإيزولد»، فإنه يدعي أنها يجب أن تكون مسرحية درامية؛ لأن المسرحيات الدرامية تضم شخصيات، أي أفرادا، وهو ما يعني أن أبولو سيلعب دوره. وفي الفصل الثالث من المسرحية، تقحم شخصية تريستان نفسها بيننا وبين مقطوعة فاجنر؛ حيث يشعل تريستان فتيل التجربة التي تودي بحياته، بينما نبقى نحن على قيد الحياة، بعد أن نقترب قدر المستطاع من التواصل المباشر مع الواقع البدائي. وبناء عليه، يعتبر الأبطال التراجيديون ضحايا قربانية، بينما نبلغ نحن «الخلاص»، وهو مصطلح محبب إلى فاجنر وكذلك إلى المسيحيين، والذي سيندم نيتشه بعد فترة قصيرة على استخدامه، على الرغم من أنه حقق الغرض منه في سياقات أخرى.
لقد تخطيت الفصول التي تتخلل «مولد المأساة» لكي أبين كيف يحاول نيتشه أن يعقد صلة بين التراجيديا الإغريقية والدراما الموسيقية لفاجنر. فهو يعتقد أن الثانية تعني لنا أكثر مما تعنيه الأولى نظرا لغياب الموسيقى التي كانت تعزف في المسرحيات التراجيدية الإغريقية؛ مما يجعلنا لا نستطيع تخمين تأثيراتها إلا من خلال أوصاف حول كيفية استجابة جماهيرها لها، فقد كانوا يخضعون لحالة من «النشوة» التي لم تتح لنا من جديد إلا الآن. ويستحيل بلوغ هذه الحالة إلا لدى جمع من المتفرجين الذين يعتبر إحساسهم بفقدان الهوية صورة أجود من تلك التي يشعر بها جمهور كرة القدم حاليا. ولكن علينا أن نركز على طريقة إنتاج تلك النشوة، وإلا فلن يوجد فارق نوعي بين جمهور كرة القدم وجمهور المسرحية التراجيدية. وسرعان ما شعر نيتشه، لأسباب معقدة، أنه لا يوجد فارق ملحوظ بين جمهور فاجنر وجمهوره المقابل الذي يتكون من مجموعة سكارى حادي المزاج. بيد أن تلك الفكرة سوف تظهر في المستقبل الأليم. أما في الوقت الحاضر، فقد كان مصمما على إعادة إحياء روح المجتمع بفضل تلاحم أعضائه بشعور مشترك بالنشوة. تلك هي «المشكلة الألمانية الخطيرة التي نواجهها»، وكان نيتشه في هذه المرحلة يعتبر أن الألمان يتمتعون بحساسية تجاه القيم والحقائق المطلقة التي حرمت منها أمم أخرى، بفضل ثراء الموروث الموسيقي للألمان على نحو أساسي.
وسط تصريحات نيتشه الافتتاحية حول ثنائية أبولو وديونيسيوس والجدل المتضمن على نحو استثنائي، والذي يلقح فيه أحدهما الآخر في الأقسام الختامية من الكتاب، نجد صورة نيتشه المعروضة على نحو مبالغ فيه، إن لم يكن مستغربا، عن سمو التراجيديا الإغريقية (أسخيلوس وسوفوكليس) وانحطاطها (يوريبيديس). دارت فرضيته المحورية حول غلبة الكورس الغنائي في حالات السمو، فيرى الجمهور على المسرح صورة منعكسة له، مرتفعة إلى قمم ساحقة من المعاناة والتجلي. ولكن عندما يصل إلى المشهد يوريبيديس، الذي تدوم مسرحياته للأسف بأعداد أكبر من أسلافه الأوائل، فإنه يبدي اهتماما بالأفراد وبعلم النفس، والأسوأ من هذا بالآثار المفيدة للعقلانية، أو «الجدل» حسبما يميل نيتشه إلى تسميتها. ولم يشك نيتشه في أن صاحب التأثير المفسد عليه هو سقراط، الذي استحق فعلا الموت بسم الشوكران، ليس بسبب تأثيره على شباب أثينا، ولكن بسبب تأثيره على ما كان يمكن أن يصبح سر عظمتها التراجيدية المستمرة. «لقد أصبح يوريبيديس شاعر السقراطية الجمالية» («مولد المأساة»، 12).
إن السمة التي تجعل سقراط شخصية معادية للتراجيديا على نحو جذري هي إيمانه بالقدرة المطلقة للمنطق، على الرغم من أن المرء يستطيع أن يبين أن محاورات أفلاطون - التي يعتبرها الباحثون في أغلب الظن تفسيرات لآراء سقراط نفسه - لم تحقق كثيرا من التقدم، إلا بمنحى سلبي. ولكن تصوير نيتشه له يتناول هذه النقطة:
في هذه الشخصية الاستثنائية تماما تظهر الحكمة الغريزية فقط لكي «تعوق» المعرفة الواعية عند مواضع محددة. وعلى الرغم من أن الغريزة تعتبر عند الأشخاص الأذكياء ملكة إبداعية وتأكيدية، ويؤدي الوعي دورا نقديا ورادعا؛ فإن الغريزة لدى سقراط تمارس دورا نقديا ويتحول الوعي إلى مبدع، فيتكون مسخ «ناقص»! «مولد المأساة»، 13
لم تفارق صورة سقراط خيال نيتشه؛ كما هي الحال مع جميع الشخصيات الرئيسية في المعبد ونقيضه، وتظل علاقته به تتسم بتناقض صارخ؛ لأن نيتشه لم يعتقد أن العلاقة بين الغريزة والوعي بهذه البساطة التي يتظاهر بها هنا. ما كان متأكدا منه هو:
العنصر الإيجابي في الجدل، الذي يرقص مهللا لأية نتيجة ولا يمكنه أن يتنفس إلا في الأجواء الصحوة الصريحة ومن خلال الوعي؛ ذلك العنصر المتفائل، الذي غزا ذات يوم عالم التراجيديا، قد نما شيئا فشيئا حتى غطى على أصوله الديونيسيوسية، وأجبر نفسه على الانتحار بانتقاله إلى المسرح البرجوازي. هنا لا بد من الاستشهاد بقول سقراط المأثور: «الفضيلة هي المعرفة، فجميع الخطايا تنشأ عن الجهل، والإنسان الفاضل شخص سعيد.» هذه العبارات الثلاث المتفائلة هي التي تحمل في طياتها موت التراجيديا. «مولد المأساة»، 14
Halaman tidak diketahui