88

Seruan Kebenaran

نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر

Genre-genre

كما تتفتح الأزهار.

172

وقد لمح هيدجر «الكلمة» - زهرة الفهم كما يسميها هلدرين! - أو الكلمات كما جاءت في هذه القصيدة، ففهم أنها هي «الجهة» التي تسمح للأرض والسماء وتدفق الأعماق وقوة الأعالي بأن تتقابل وتتفاعل، وفي هذا التفاعل كما قلنا يتم القرب والإظهار والإحضار، أي يكون الوجود، فليست اللغة شيئا تربطنا به علاقة فحسب، بل هي - إن صح التعبير - سيدة العلاقات، هي محركة العالم وكاشفة الوجود، وهي التي تعطي وتمنح، وتحفظ وتحمي، وعلى الإنسان أن يسكن في بيتها ويحرسه ويرعاه.

ونخطئ لو تصورنا أن النطق في اللغة نتيجة عملية فيزيولوجية وفيزيائية ونفسية: «إن المنطوق المسموع من اللغة يحتفظ به في التوافق الذي يوفق بين جهات العمل الأربع أو رباعه الفريد ويجعلها تتفاعل وتتداخل» (ص208).

كلام غريب كما قلت لكم، ولكن غرابته تأتي من تأصيله، فنحن ننظر الآن إلى أصل اللغة، لا إلى استخدامها ووظائفها، نتأمل ماهيتها التي «يكون» بها الموجود، ولا نعتبرها وسيلة أو أداة، نراها تمنح وتعطي وتحرر وتثير، ولا نراها قيدا يتحكم فينا طول العمر، هل تفهمون من هذا أنها قوة متعالية؟ ولكن هذا هو الفهم الميتافيزيقي الذي نريد أن نحولكم عنه إلى فكر الوجود، إنها القرب الكامن في قوى العالم الأربع، أو هي «التجميع» الأصلي - إن شئنا أن نوافق هيدجر على تفسيره لكلمة اللوجوس عند هيراقليطس - وهي، كتجميع أصلي، ساكنة وبلا صوت؛ لأنها هي التي تنعم على الإنسان بقول «يكون» و«يوجد»، لغة السكينة هذه هي لغة الماهية، ويمكننا أيضا أن نقول: لغة الوجود (بشرط ألا نفهم الكلمة الأخيرة بمعانيها الميتافيزيقية القديمة!) والبيت الأخير من قصيدة «الكلمة» يشير بوضوح إلى انكسار الكلمة، الكلمة التي ألفناها وتعودنا عليها، كما يدعونا إلى فهمها والتفكير فيها من حيث هي سكينة، ولن يمكننا أن نفهمها هذا الفهم إلا إذا عرفنا أن الشعر والفكر متجاوران، والجار حبيب الجار، وجوارهما في اللغة التي تمنح القرب وتهديه، فاللغة تعبر، وهي بهذا التعبير تدل وتشير، وتصل إلى كل جهات الوجود، فتظهر الموجودات أو تخفيها، تنيرها أو تسدل عليها الحجاب، والإظهار «حدث» لن يدركه الإنسان حتى يستمع إلى اللغة ويطيعها، لأنها لن تسمح له بأن يعبر بها حتى يقف منها موقف الطاعة، نفس الموقف الذي يقفه من نور الوجود، إن الإنسان محتاج إلى اللغة، واللغة بحاجة إلى الإنسان، وإن لم تكن صنيعته أو خاضعة لإرادته ونشاطه اللغوي.

والحدث الذي تحدثه اللغة بعيد كل البعد عن تسلسل الأسباب والنتائج، إنه الحدث الذي يمنح الإنارة والانفتاح، فيظهر الموجود ويتجلى، أو يغيب ويحتجب.

وهذا الحدث أو هذا العطاء لا يمكن تفسيره أو فك رموزه؛ لأنه شيء أخير، تصطدم به النظرة ولا تعلله، فهو الذي يعطي كلمة «يوجد» ويرد الموجود إلى أصله.

هل عرفتم دين الإنسان نحو اللغة؟ أدريتم كيف تتيح له أن يعبر بها، حين تتيح له «النور» الذي يظهر كل موجود؟ أرأيتم أن «النطق» في حقيقته «تطابق» مع قول اللغة وحدثها، وأن «اللغة تستخدم الإنسان لكي ينطق عما تقوله اللغة الساكنة»؟ (ص260).

هل أصبحتم مستعدين لمواجهة «الحدث» الذي يظهر ويحتجب، ويتحول ويحولكم معه؟ وهل تملكون القدرة على القرب من هذا الحدث لكي تكون لكم لغة أصيلة؟ وهل يحسن شعراؤكم ومفكروكم الاستماع إلى ندائها لكي يصبح الشعر فكرا والفكر شعرا؟ أم تراكم مصرين على تحويل اللغة إلى أداة تستهلك معكم كالثوب البالي؟ (4-5) حقيقة الفكر

هل انتهت الفلسفة وبدأ الفكر؟

Halaman tidak diketahui