Teori Pengetahuan dan Sikap Asli Manusia
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genre-genre
ومن الطريف جدا أن نعيد إلى الأذهان الطريقة التي تخلص بها ديكارت من حجة الأحلام في مرحلتها الأولى هذه، ومما تؤدي إليه من شك في حقيقة العالم الخارجي، فلم يكن تخلص ديكارت من هذه الحجة هنا عن طريق الإتيان بحجج مضادة لها، أو عن طريق تفنيدها منطقيا، بل تم ذلك بفضل استعادة ثقته بالعالم حين أيقن من وجود إله خالق له، ولنحلل بدقة تعبيره ذا الدلالة البالغة عن الطريقة التي استبعد بها شكوكه هذه، وخاصة الشك المتعلق بعدم القدرة على التمييز بين النوم واليقظة: «إذ إنني أدرك بينهما الآن فارقا هائلا، هو أن ذاكرتنا لا تستطيع أبدا أن تربط وتضم أحلامنا بعضها إلى بعض وإلى بقية أطراف حياتنا، مثلما تألف ضم الأشياء التي تمر بنا في يقظتنا ... ولا ينبغي بأية حال أن أشك في حقيقة هذه الأشياء، إذا ما حدث بعد أن حشدت كل حواسي وذاكرتي وفهمي لفحصها، إن لم يرد إلي عن طريق إحدى هذه القوى ما يتنافر مع ما يرد إلي من الأخريات؛ «إذ إن استحالة كون الله خادعا تستتبع بالضرورة ألا أكون في هذا الصدد مخدوعا»، ولكن نظرا إلى أن ضرورة الظروف ترغمنا في كثير من الأحيان على أن نضع قرارا دون أن نكون قد أتيحت لنا المهلة الكافية لفحصه بعناية، فينبغي أن نعرف بأن حياة الإنسان معرضة للخطأ في كثير من الأحيان بالنسبة إلى الأشياء الخاصة، وأن نعترف أخيرا بتهافت طبيعتنا وضعفها.»
2
من الواضح إذن أن الوسيلة التي يراها ديكارت كفيلة باستعادة ثقته بالعالم، وللتمكن من التمييز بين عالم اليقظة وعالم الأحلام، هي (اتساق) أفكارنا الخاصة بالعالم الواقعي أو عالم اليقظة وعدم وجود تنافر بينها، وهنا ينبغي أن نتساءل: هل يعد هذا ردا مقنعا على الشك الكامل الذي أثاره ديكارت في البداية؟ الواقع أن شكه كان أقوى من أن تبدده فكرة الاتساق هذه؛ إذ إنه - في حالة الشك هذه - كان خليقا بأن يقول: إن أحلامه كثيرا ما تتبدى له تامة الاتساق، وأي فارق بينها وبين اليقظة في هذا الصدد سيكون فارقا في الدرجة فحسب، بحيث لا بد أن توجد حالات يعجز فيها المرء عن إيجاد تفرقة قاطعة بين العالمين من خلال فكرة الاتساق وحدها.
وفضلا عن ذلك، فإن كان الاتساق كافيا لتبديد هذه الشكوك، فما الذي منع ديكارت من استنتاج وجود هذا الاتساق منذ البداية، فلا يبقى لشكه أي أثر منذ بداية الأمر؟ إن ديكارت - كما هو واضح - لم يستنتجه من شيء، فلا بد إذن أن نفترض أنه يقول بالاتساق بعد أن هدأت نفسه عندما توصل إلى فكرة الله؛ إذ تأكد عندئذ أن العالم ليس فوضى، وأنه أهل للثقة، وفي ضوء هذه الثقة وحدها يمكننا أن نبرر اكتفاءه بفكرة اتساق اليقظة لتبديد شكوك كانت - بلا شك - أقوى من أن تبدد بهذه السهولة.
أما من الوجهة المنطقية الخالصة، فلم يكن ديكارت محتاجا إلى هذه الرحلة الطويلة التي انتقل فيها من الشك إلى اليقين؛ لأنه لم يستنتج منها منطقيا شيئا في هذا الصدد؛ إذ إن فكرة الاتساق ليست في حاجة إلى الكوجيتو أو فكرة الله، هذا إلى أن آخر ما ينتهي إليه في التأملات ما زال نوعا من الشك أو عدم الثقة في معرفة الإنسان، التي ظل إلى النهاية يعدها ضعيفة هشة معرضة للخطأ.
ففائدة هذه المرحلة المتوسطة إذن لم تكن منطقية، وإنما هي - في رأينا - «نفسية»، وديكارت كان محتاجا إلى دعامة نفسية يستعيد بها ثقته في العالم، وكان يكفيه أن يجد هذه الدعامة في فكرة الله؛ لكي تصطبغ كل الأشياء بصبغة جديدة، ويصبح أكثر استعدادا للاقتناع بأفكار كانت هي ذاتها غير قادرة على تبديد الشك في بداية الأمر. •••
وإذا كان الوجه الأول للحجة يتعلق بالشك في إدراكنا الخارجي، فإن الوجه الثاني يتعلق بالشك في طريقتنا أو وسيلتنا إلى هذا الإدراك ، ولا شك أن بين الأمرين ارتباطا وثيقا: فإذا وصل بنا الأمر إلى حد توجيه السؤال: أليس من الجائز أن يكون إدراكنا للعالم الخارجي مجرد إدراك ذاتي، ما دمنا في حالة الأحلام نمارس مدركات تبدو لنا خارجية، ولا تتوقف بالفعل على إرادتنا، ومع ذلك فنحن على يقين من أن مصدرها ليس هو الأشياء الخارجية؟ إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، فمن الطبيعي أن يتضمن هذا الشك شكا آخر في وسيلتنا إلى إدراك هذا العالم؛ إذ إن هذه الوسيلة تؤكد لنا أنه خارجي، بينما (قد يكون) هذا العالم - كما رأينا الآن - داخليا بحتا.
واستخدام حجة الأحلام للشك في المعرفة الحسية قديم مألوف في تاريخ الفلسفة، وإذا كان ديكارت قد جعل هذه الحجة كلاسيكية في كتاباته، فإنه لم يكن على الإطلاق أول من تنبه إليها، فمنذ أفلاطون استخدمت الحجة وسيلة للطعن في صحة المعرفة الحسية ذاتها إلى جانب العالم الحسي، ويتمثل الارتباط بين الوجه الأول والوجه الثاني لحجة الأحلام بوضوح في قول أفلاطون في «تيتاتوس»:
سقراط : ... كيف يمكنك أن تحدد ما إذا كنا في هذه اللحظة نياما وكل أفكارنا حلم، أم أيقاظا يتحدث كل منا إلى الآخر عن وعي؟
تيتاتوس :
Halaman tidak diketahui