Teori Pengetahuan dan Sikap Asli Manusia
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genre-genre
على هذا النحو حاول كانت أن يفرق بين مذهبه وبين المثالية المعتادة أو التوكيدية، بل حاول أن يدفع عن مذهبه أصلا تهمة المثالية، كما نرى في هذا النص، ولنتساءل هنا: أي فارق هناك بين إنكار وجود الموضوعات الخارجية، والقول: إنها موجودة ولكنها غير معروفة لنا على حقيقتها؟ أو بعبارة أخرى: أي فارق هناك بين القول: إن ما نسميه بالموضوعات الخارجية راجع إلى الذات المفكرة، وبين القول: إن «ما نعرفه» عن هذه الموضوعات راجع إلى صورنا وقوالبنا الذاتية؟ إن هذين الموقفين - اللذين علق كانت أهمية كبرى على الفارق بينهما - ليس بينهما، في واقع الأمر، أي اختلاف جدي، ففي الحالتين تغلب فاعلية الذات على الموضوع الخارجي، أي إن الذهن إما أن «يخلق» هذا الموضوع أو «يشكله»، وليس هذا بالفارق الخطير؛ لأن الموقفين معا مضادان تماما للموقف الطبيعي، فالذهن في نظر الموقف الطبيعي يفهم أو يدرك الموضوعات التي تحتفظ باستقلالها عنه، أما في نظر كانت فهو العنصر الأساسي في إعطاء هذه الأشياء صورتها التي ندركها عليها، فإذا أدركنا أن العنصر الذي نعرفه من الأشياء هو العنصر الذي يهمنا فيها، وإذا أدركنا أن هذا العنصر - في نظر كانت - ذاتي لتبين لنا إلى أي حد يكون الاختلاف بين مثاليته «الاحتمالية» وبين المثالية التقليدية اختلافا لفظيا، إن كانت يؤكد أن الأشياء موجودة خارجنا، ويضيف إلى ذلك قوله: ولكنا لا نعرف عنها إلا ما وضعناه نحن - بوصفنا ذوات - فيها، أي إن الوجه المعروف للأشياء ذاتي، وقد يكون لها وجه موضوعي ولكنه مجهول تماما، وهنا نجد أن أهمية ذلك الوجه الموضوعي تتضاءل إلى حد لا يعود معه إلا تكملة فكرية للبناء المذهبي فحسب، فما قيمة ذلك الشيء الذي نقول عنه: إنه موجود، إن كنا لا نعرف عنه أي شيء؟ إنه «كيان عقلي
nouméne » يفترضه الذهن بالاستدلال، ولكن جهلنا التام به يجعله في حكم المنعدم، وعلى أية حال فإن المثالية التوكيدية حين أكدت أن الأشياء - من حيث هي أشياء في ذاتها لا وجود لها خارج الفكر - قد مهدت الطريق لخطوة كانت التالية، والقائلة: إن الأشياء - بوصفها ظواهر - توجد في المكان الذي هو «صورة الحاسة الخارجية»، والعلاقة الحقيقية بين كانت وبين المثالية هي علاقة اختلاف في اللغة المستخدمة فحسب، لا علاقة اختلاف أساسي في المذهب.
أما ذلك الاختلاف اللغوي الذي نتحدث عنه، فينحصر في أن كانت قد أكد أن الأشياء توجد بالفعل خارجنا، بمعنى أنها توجد في المكان، وإلى هذا الحد يبدو رأيه مضادا تماما للمثالية التوكيدية، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن فكرة المكان نفسها ذاتية، وأن «الحس الخارجي» هو الذي يضفي على الأشياء هذا «الوجود في المكان»، وهنا تعود المثالية إلى الظهور من خلال هذه اللغة الجديدة التي استخدمها كانت، لغة المكان بوصفه «صورة ذاتية للحس الخارجي»، والموضوعات بوصفها «ظواهر» لا أشياء في ذاتها.
ولو بحثنا عن الأصل الأول لهذه اللغة الجديدة التي استخدمها كانت لوجدنا أنه الرأي القائل باستحالة الاستدلال من الإدراكات على الموضوع المسبب لها استدلالا مؤكدا، وباحتمال كون هذه العلة داخلية لا خارجية، فنتيجة لهذا الرأي وصل كانت إلى فكرة الموضوعات الخارجية بوصفها ظواهر، واستبعد تماما كل نظرة إليها على أنها أشياء في ذاتها، ولكن هل يجوز أن يطوف بالذهن مثل هذا الشك، أو يخطر له مثل هذا الاحتمال؟ إن كانت يصور الأمر كما لو كانت الذات تنسب بعض إدراكاتها إلى الحس الخارجي والبعض الآخر إلى الحس الباطن، ولكن كيف يحدث هذا؟ وما الذي يدفع الذات إلى هذا التقسيم؟ أهو تقسيم اعتباطي؟ أم أن هناك شيئا في طبيعة فئة من «الإدراكات» هو الذي يدفع الذات إلى أن تعدها «خارجية»؟ ومن أين أتت لدينا صورة المكان وفكرة الخارجية التي ننسبها إلى الأشياء؟ إن كانت ليعجز تماما عن الإجابة على هذا السؤال، فهو حين يتساءل: «كيف يكون من الممكن - في ذات مفكرة - وجود حدس خارجي، أي حدس للمكان بما تشغله من أشكال وحركات؟» يجيب بقوله: إن «هذا سؤال لا يتسنى لأحد أن يجيب عنه، فتلك الثغرة في معرفتنا لا يمكن ملؤها بأية حال، وكل ما يمكن عمله هو أن نشير إلى هذه الثغرة بأن ننسب المظاهر الخارجية إلى ذلك الموضوع الترنسندنتالي الذي هو سبب هذا النوع من المظاهر، والذي لا نعرف عنه - مع ذلك - أي شيء، ولن يكون لدينا أبدا أي تصور عنه.»
22
وهكذا يعترف كانت بعجزه عن تفسير تلك التفرقة التي تقوم بها الذات للتمثلات إلى فئتين تنتمي إحداهما إلى الحس الخارجي والأخرى إلى الحس الباطن، ويعترف بعجزه عن تفسير أصل ذلك الحدس الخارجي بما فيه من مكان، وحتى لو قال كانت بأن فكرة ترابط الإدراكات أو تسلسها حسب قاعدة معينة هي التي تفرق بين التمثلات التي ترتبط بموضوع وتلك التي لا ترتبط، فسنظل مع ذلك عاجزين عن الاهتداء إلى أساس للتفرقة بين النوعين، فكانت لا يحل المشكلة على الإطلاق حين يقول: إن الصفة التي تكتسبها التمثلات المرتبطة بموضوع هي «خضوع تلك التمثلات لقاعدة، بحيث يصبح من المحتم علينا ربطها في صورة محددة ما، وبالعكس لا تكتسب تمثلاتنا معنى موضوعيا إلا بقدر ما يكون من المحتم إخضاعها لقاعدة معينة من حيث علاقتها الزمنية.»
23
ولا جدال في أن هذه التفرقة صحيحة من حيث هي معيار لتلك المجموعة من الظواهر التي نسميها بالخارجية، ولكن وجه الاعتراض في هذه الحالة هو: كيف يمكن الانتفاع من هذه التفرقة في ضوء فلسفة كانت؟ ولنتساءل هنا أيضا: من أين أتت هذه القاعدة التي تخضع لها الظواهر المرتبطة بموضوع في ترتيبها الزمني؟ إذ إن القول بأنها تنتمي إلى تركيب الذات أو إلى طريقتنا الخاصة في الإدراك، لا يحل المشكلة: فلو كان الأمر كذلك، فسنظل نتساءل: لم كانت بعض الإدراكات ذاتية خالصة - كالأحلام - وبعضها الآخر ذاتية خاضعة في ترتيبها الزمني لقاعدة معينة كالإدراكات المرتبطة بالموضوعات؟ إذا كان سبب وجود هذه القاعدة هو طريقة الذات في المعرفة لكان من الواجب أن تسري هذه الطريقة على كل تمثلات الذات، ولكنها في الواقع تسري على فئة معينة من هذه التمثلات، فلا بد أن يرد انتظام هذه القاعدة إلى طبيعة الموضوع نفسه.
24
والواقع أننا لو سلمنا تماما مع كانت بوجود «طريقة للذات في المعرفة» - من صور للحس ومقولات للذهن - فسيظل من الخطأ أن يؤكد المرء أهمية هذا العنصر الذاتي ويركز جهده فيه كما فعل كانت، فهذا العنصر - لو سلمنا بوجوده - سيكون هو «الثابت» الذي لا يتبدل في المعرفة، ولو تدخلت الذات فسيكون ذلك في كل مرة على نحو مطرد، ولن يكون في وسعها أن تتدخل في الظروف الواحدة إلا على صورة واحدة، فإذا تساءلت عن الفارق بين مدركين يتمان في ظروف واحدة كمنضدة وكرسي متجاورين، فلن نستطيع إرجاع هذا الفارق بينهما إلى العنصر الذاتي، وإنما إلى العنصر الموضوعي الذي يؤدي تغيره إلى تغير الإدراك، ولما كان ما يهمنا حقيقة في المعرفة هو كشف العنصر الذي بفضله تتغير المدركات، ويكون كل مدرك على ما هو عليه، ويتميز به عن غيره، فلا جدوى في هذه الحالة من التنبيه إلى العنصر الذاتي الذي هو مشترك بين كل الإدراكات، بل ينبغي البحث عن سبب التغير في كل حالة، وهو العنصر الموضوعي.
Halaman tidak diketahui