Teori Pengetahuan dan Sikap Asli Manusia
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genre-genre
22
ولنذكر هنا أنه يعرف عملية إضفاء صبغة الشيئية بأنها «عملية افتراض «شيء» كلما عرض مظهر حسي.»
23
وهذا التعريف ذاته يستتبع أن تكون هذه العملية مختلفة تماما عن تلك العملية المعقدة التي ندرك بها، فهي عملية افتراض «شيء»، وليست عملية تعرف على شيء «محدد»، وليست عملية إضفاء صبغة الشيئية كما ظن «مارجنو»، هي تلك العملية المعقدة التي ندرك بها أن هذه الإحساسات تؤلف «شجرة»، بل هي مجرد العملية التي ندرك بها أن هذه الإحساسات تؤلف «شيئا» فحسب، أو على الأصح: إن هناك «شيئا» ترتبط به هذه الإحساسات، ونحن نعترف أن العملية الأولى عملية معقدة، وأنها تؤلف بالفعل الخطوة الأولى نحو التصنيف العلمي ، ولكن من الخطأ تحديدها بأنها عملية إضفاء صبغة الشيئية على الأشياء، بل إنها قد تكون «تعرفا» أو تحديدا أو تصنيفا، أي تحديد كنه الشيء، لا مجرد افتراض وجود «شيء» فحسب، فهذا الفعل الأخير - أعني مجرد افتراض شيء - هو فعل أكثر أصالة، وغير قابل للتغير، ولا شأن له على الإطلاق بما يحرزه العلم من تقدم، ولقد كان الخلط بين ذلك الفعل الأصيل البسيط وبين العملية الأخرى الأكثر تعقيدا - وهي تحديد كنه هذا الشيء - من أهم العوامل التي أدت إلى تعقيد العملية البسيطة الأولى، فكانت النتيجة النهائية لهذا الخلط هي ظهور تلك الآراء التي يبدو أنها تؤدي إلى القول بأن فعلا أصيلا كهذا يمكن أن يتغير تبعا لتقدم العلم أو تطور مدنية الإنسان.
ولو قيل: إن علينا أن نقارن - زمنيا - بين النظرة إلى العالم على أنه مكون من إحساسات، وبين النظرة إليه على أنه مكون من أشياء، لقلنا: إن أساس المقارنة ذاته غير صحيح، فالنظرة الثانية تنتمي إلى الموقف الطبيعي، والأولى إلى الموقف العلمي، وعلى ذلك فالثانية في مجالها الخاص غير قابلة للتطور؛ إذ لا يستطيع أحد أن يدعي أننا كنا أيام أرسطو ننظر إلى التفاحة على أنها شيء أو جوهر، بينما أصبحنا الآن نعدها مجموعة من المدركات، أي لونا وطعما وشكلا فحسب، ونتعامل معها على هذا الأساس، فمن الواضح أن التفاحة كانت ولا تزال وستظل دائما «شيئا» بالنسبة إلى موقفنا الطبيعي.
بل إننا في هذا الموقف الطبيعي نقول بالشيء أولا، ولا ندرك كيفياته البسيطة بما هي كذلك إلا في عملية تالية، فمن الخطأ الزعم بأن فكرة «الشيء» حاجز لفظي يحجب عنا المكونات الحقيقية للطبيعة، وهي الإحساسات المباشرة، وأن تخطي هذا الحاجز الذي تضعه اللغة بيننا وبين الطبيعة يوصل حتما إلى هذه المكونات الحقيقية، فالقول بأن العالم - في موقفنا الطبيعي - مكون من «أشياء» هو قول أكثر أصالة من أي وضع لحاجز لغوي.
والواقع أن هذا الرأي - الذي يرد فكرة «الشيء» إلى اللغة، ويجعلها حاجزا لغويا يحجب عنا حقيقة العالم (وهي الإحساسات أو المعطيات المباشرة) - ينطوي على سوء فهم لمعنى «الاتصال» ذاته، وبالتالي فهو تعبير عن نظرة قاصرة إلى طبيعة اللغة ووظيفتها، بالإضافة إلى ما فيه من أخطاء في نظرية المعرفة؛ ذلك لأن وظيفة الاتصال هي نقل فكرة أو معنى من ذهن إلى ذهن آخر، أما «واسطة» هذا النقل فليست هي التي ينصب عليها الاهتمام، ومن الممكن تشبيه اللغة التي تتخذ واسطة في عملية نقل الأفكار من ذهن إلى آخر بالعملة الورقية في عمليات التبادل الاقتصادي، فصحيح أن هذه العملة الورقية بعيدة كل البعد - من حيث قيمتها الذاتية - عن السلع التي نبادلها بها، وليس للورقة المالية في ذاتها - مهما علت قيمتها التبادلية - قيمة تذكر، ولكن المهم هو أن يعترف الناس فيما بينهم بقيمة واحدة لها، ففي هذا الاعتراف المتبادل تكمن قيمتها وفائدتها، أما قيمتها الذاتية أو علاقتها بما تتبادل معه فليست لها أهمية، واختلاف القيمة الكامنة للعملة الورقية عما نشتريه بها لا يعني أبدا أنها لا تصلح للاستخدام في الشراء والتبادل، ولو طبقنا هذا المثل على المشكلة التي نحن بصددها لتبين لنا بوضوح أن اختلاف اللفظ عن الموضوع الذي ندل به عليه لا يعني أبدا أن هذا اللفظ يشوه طبيعة هذا الموضوع أو يحول بيننا وبين معرفته، والواقع أن المساواة بين الرمز اللغوي وبين ما يدل عليه ليست مطلوبة على الإطلاق، وما الرمز إلا جسر يعبر بالمعنى من ذهن إلى آخر، وهو يكون قد أدى وظيفته كاملة إذا حقق عملية العبور هذه، بغض النظر عن علاقته - من حيث التشابه أو المساواة - بالموضوع الذي يعبر عنه.
ولكننا لو تركنا هذا النقد اللغوي جانبا، وعدنا إلى ذلك التقابل الذي يضعه أنصار الانطباعات الحسية بين التجربة المباشرة - التي نكتسبها عن طريق هذه الانطباعات - وبين التجربة غير المباشرة، أو التحريف الذي يطرأ على التجربة بفضل إدخال فكرة «الشيء» في إدراكنا؛ لأمكننا أن نقول، على العكس مما ينادي به أصحاب هذا الرأي إن الزعم بأن الإحساسات المباشرة هي المكونات الحقيقية للطبيعة هو الذي يدل على التأثر بالحواجز اللغوية ، على حين أن القول بأن العالم مكون من «أشياء» هو الذي يعكس تأثير التجربة المباشرة، وهذا القول يبدو مضادا تماما للآراء السابقة المأثورة عن فلاسفة عديدين في مختلف عصور التفكير الفلسفي، ولكن إثباته في ضوء التفرقة بين الموقفين العلمي والطبيعي ليس عسيرا: فتجربة الإنسان الفعلية المباشرة ليست تجربة ألوان وطعوم وأصوات، وإنما هي تجربة أشياء كاملة، وهذا أمر يقتضيه تكويننا نفسه لا أخطاء الإنسان البدائي أو التفكير قبل العلمي، أما فكرة اللون أو الصوت أو الطعم فلا نصل إليها إلا بالتجريد من هذه التجربة المباشرة التي هي واحدة لدى كل البشر وفي كل العصور، وهذا التجريد هو الذي يقتضي تصنيفا لغويا، وتقسيما لإدراكنا المتكامل إلى عناصر مستقلة، وهذا التصنيف والتقسيم هما اللذان يكونان أول مرحلة من مراحل التفكير العلمي، وبعبارة أخرى: فكون الأشياء - التي هي موضوع إدراكنا المباشر - تنقسم إلى عناصر مميزة، هو كشف لاحق يقتضي عملية معقدة لا بد لحدوثها من تطور عقلي وتهذيب حضاري وتجريد لغوي معقد.
ولقد ناقش «إرنست ناجل» - وهو من أكبر فلاسفة العلم المعاصرين - مواقف بيرسيون وآير وماخ، الذين يذهبون إلى أن المعطيات الحسية هي العناصر الأولى والبسيطة لكل معرفة، وانتهى إلى موقف مشابه لذلك الذي نعرضه ها هنا؛ إذ قال: «الواقع أننا إذا تأملنا الأمر من وجهة نظر الحقائق السيكولوجية، فإن المعطيات الحسية الأولية ليست هي المواد الأصلية الأولى للتجربة، التي تشيد بواسطتها كل أفكارنا كما تشيد البيوت من أحجار منفصلة، بل إن التجربة الحسية - على العكس من ذلك - هي استجابة لأنماط معقدة - وإن تكن غير محللة - من الكيفيات والعلاقات، وتنطوي هذه الاستجابة عادة على ممارسة عادة التفسير والتعرف المبنية على اعتقادات واستدلالات ضمنية لا يمكن استخلاصها من أية تجربة منفردة مؤقتة، وعلى ذلك فاللغة التي نستخدمها عادة لوصف تجاربنا المباشرة ذاتها هي اللغة المعتادة للاتصال الاجتماعي، التي تنطوي على تمييزات ومسلمات يرجع أساسها إلى تجربة جماعية عامة، وليست لغة تحدد معناها على أساس الإشارة المزعومة إلى ذرات من الإحساسات لم يفسرها الذهن.
والواقع أن من الممكن في بعض الأحيان - تحت ظروف مضبوطة بدقة - أن نحدد كيفيات بسيطة تدركها الأعضاء الحسية مباشرة، غير أن هذا التحديد إنما يكون خاتمة لعملية مرسومة معقدة من العزل والتجريد، نقوم بها لأغراض التحليل، وليست هناك شواهد موثوق بها على أن الكيفيات الحسية تدرك على أنها بسائط ذرية ما لم يكن ذلك بوصفها نهاية ونتيجة لعملية كهذه، وفضلا عن ذلك، فعلى الرغم من أننا قد نطلق على هذه النواتج اسم المعطيات الحسية، وندرج فئاتها المختلفة تحت أسماء متباينة، فإن فائدة هذه الأسماء ومعانيها لا تثبت إلا من حيث هي إرشادات توجهنا إلى القيام بعمليات تتعلق بأوجه نشاط جسمية واضحة، وإذن فمعاني ألفاظ المعطيات الحسية لا تفهم إلا إذا سلمنا بالتمييزات والمسلمات التي يفترضها اتصالنا بالموضوعات الخشنة للتجربة، ومعنى ذلك أن هذه الألفاظ لا يمكن استخدامها وتطبيقها إلا من حيث هي جزء من مفردات لغة الموقف الطبيعي، وبالاختصار فإن لغة المعطيات الحسية ليست لغة قائمة بذاتها، ولم يفلح أحد حتى الآن في وضع لغة كهذه، فإن لم يكن ثمة لغة كهذه، فإن الرأي القائل: إن كل العبارات النظرية يمكن من حيث المبدأ ترجمتها إلى لغة المضمونات الحسية الخالصة هو رأي مشكوك فيه أصلا.»
Halaman tidak diketahui