الرشيد ومالك وسفيان بن عيينة
وجه الرشيد إلى مالك بن أنس ليأتيه فيحدثه، فقال مالك: إن العلم يؤتى. فصار الرشيد إلى منزله، فاستند معه إلى الجدار، فقال: يا أمير المؤمنين، من إجلال الله تعالى إجلال العلم، فقام وجلس بين يديه، وبعث إلى سفيان بن عيينه، فأتاه، وقعد بين يديه وحدثه، فقال الرشيد بعد ذلك: يا مالك تواضعنا لعلمك فانتفعنا به، وتواضع لنا علم سفيان فلم ننتفع به .
الرشيد والعباس والفضل بن عياض
قصد الرشيد زيارة الفضل بن عياض ليلا مع العباس، فلما وصلا بابه سمعاه يقرأ:
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (الجاثية: 21)، فقال الرشيد للعباس: إن اتفقنا بشيء فهذا، فناداه العباس: أجب أمير المؤمنين. فقال: وما يعمل عندي أمير المؤمنين؟! ثم فتح الباب وأطفأ السراج، فجعل هارون يطوف حتى وقعت يده عليه، فقال: آه من يد ما ألينها إن نجت من عذاب يوم القيامة! ثم قال: استعد للجواب يوم القيامة، إنك تحتاج أن تتقدم مع كل نفس بشرية. فاشتد بكاء الرشيد، فقال العباس: اسكت يا فضل، فإنك قتلت أمير المؤمنين! فقال: يا هامان، إنما قتلته أنت وأصحابك! فقال الرشيد: ما سماك هامان إلا وقد جعلني فرعون! ثم قال له الرشيد: هذه ألف دينار أرجو أن تقبلها مني. فقال: لا حاجة لي بها رد ها على من أخذتها منه. فقام الرشيد وخرج.
الدهري وأبو حنيفة عند الرشيد
حكي أن دهريا جاء إلى هارون الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين، قد اتفق علماء عصرك - مثل أبي حنيفة - على أن للعالم صانعا، فمن كان فاضلا من هؤلاء فمره أن يحضر ها هنا، حتى أبحث معه بين يديك، وأثبت له أنه ليس للعالم صانع، فأرسل هارون الرشيد إلى أبي حنيفة؛ لأنه كان أفضل العلماء، وقال: يا إمام المسلمين، اعلم أنه قد جاء إلينا دهري وهو يد عي نفي الصانع، ويدعوك إلى المناظرة. فقال أبو حنيفة: أذهب بعد الظهر. فجاء رسول الخليفة، وأخبر بما قاله أبو حنيفة، فأرسل إليه ثانية، فقام أبو حنيفة وأتى إلى هارون الرشيد، فاستقبله هارون، وجاء به، وأجلسه في الصدر، وقد اجتمع الأركان والأعيان، فقال الدهري: يا أبا حنيفة لم أبطأت في مجيئك؟ فقال أبو حنيفة: قد حصل لي أمر عجيب فلذلك أبطأت؛ وذلك أن بيتي وراء دجلة، فخرجت من منزلي وجئت إلى جنب دجلة حتى أعبرها، فرأيت بجنب دجلة سفينة عتيقة معطلة قد افترق ألواحها، فلما وقع بصري عليها اضطربت الألواح وتحركت واجتمعت وتوصل بعضها ببعض وصارت السفينة صحيحة بلا نجار ولا عمل عامل، فقعدت عليها وعبرت وجئت إلى ها هنا! فقال الدهري: اسمعوا أيها الأعيان ما يقول إمامكم وأفضل زمانكم! فهل سمعتم كلاما أكذب من هذا؟! كيف تحصل السفينة المكسورة بلا عمل نجار؟! فهو كذب محض قد ظهر من أفضل علمائكم! فقال أبو حنيفة: أيها الكافر المطلق، إذا لم تحصل السفينة بلا صانع ونجار فكيف يجوز أن يحصل هذا العالم من غير صانع؟! أم كيف تقول بعدم الصانع؟! فعند ذلك أمر الرشيد بضرب عنق الدهري، فقتلوه.
الرشيد والجارية والتنوخي
قال التنوخي: كان عند الرشيد جارية من جواريه وبحضرته عقد جوهر، فأخذ يقلبه، ففقده، فاتهمها به، فسألها عن ذلك، فأنكرت، فحلف بالطلاق والعتاق والحج، فصدقته، فأقامت على الإنكار، وهو متهم لها، وخاف أن تكون خرجت في يمينه، فاستدعى أبا يوسف، وقص عليه القصة، فقال أبو يوسف: خلني مع الجارية وخادم معنا حتى أخرجك من يمينك، ففعل ذلك، فقال لها أبو يوسف: إذا سألك أمير المؤمنين عن العقد فأنكريه، فإذا أعاد عليك السؤال فقولي: قد أخذته. فإذا أعاد عليك، فأنكري. وخرج، فقال للخادم: لا تقل لأمير المؤمنين ما جرى. وقال للرشيد: سلها يا أمير المؤمنين ثلاث دفعات متواليات عن العقد؛ فإنها تصدقك، فدخل الرشيد فسألها فأنكرت أول مرة، وسألها ثانية فقالت: نعم قد أخذته. فقال: أي شيء تقولين؟ فقالت: والله ما أخذته، ولكن هكذا قال لي أبو يوسف. فخرج إليه فقال: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، قد خرجت من يمينك؛ لأنها أخبرتك أنها قد أخذته، وأخبرتك أنها لم تأخذه، فلا يخلو أن تكون صادقة في أحد القولين، وقد خرجت أنت من يمينك. فسر ووصل أبا يوسف، فلما كان بعد مدة وجد العقد.
عبد الملك بن صالح والرشيد
Halaman tidak diketahui