قال محمد بن يزيد: كان ثابت قطنة قد ولي عملا من أعمال خراسان، فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه، فقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا، وبعد عي بيانا، وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال، ثم أشهر الحسام وأنشد:
وإن لم أقف فيكم خطيبا فإنني
بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
فبلغت كلماته خالد بن صفوان، فقال: والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه.
الإمام علي والمسترشد
سأل رجل الإمام علي بن أبي طالب أن يعظه؛ فقال: لا تكن ممن يرجو الآخرة بلا عمل، ويرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بقول الراغبين، إن أعطى منها لم يشبع، وإن منع لم يقنع، ينهي ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم، ويكره الموت؛ لكثرة ذنوبه، إن سقم ظل نادما، وإن صح أمن لاهيا، يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله، إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، يصف العبر ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مدل، ومن العمل مقل، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغنم مغرما والغرم مغنما، يخشى الموت ولا يبادر الفوت، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، يستكثر من طاعته ما يحتقره من طاعة غيره، فهو عن الناس طاعن ولنفسه مداهن، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره، فهو يطاع ويعصي ويستوفي ولا يوفي، ويخشى الخلق في غير ربه، ولا يخشى ربه في خلقه.
أبو الدرداء وأهل الشام
لما دخل أبو الدرداء الشام قال: يا أهل الشام، اسمعوا قول أخ لكم ناصح. فاجتمعوا عليه، فقال: ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون؟ وتجمعون ما لا تأكلون؟ إن الذين كانوا قبلكم بنوا شديدا ، وأملوا بعيدا، وجمعوا كثيرا، فأصبح أملهم غرورا، وجمعهم بورا، ومساكنهم قبورا.
خطبة أبي العباس السفاح
ارتج على أبي العباس السفاح؛ فنزل ثم صعد، وقال: أيها الناس، إن اللسان بضعة من الإنسان؛ يكل لكلاله، ويرتجل لارتجاله، ونحن أمراء الكلام، بنا تفرعت فروعه، وعلينا تهدلت غصونه، وإنا لا نتكلم هدرا، ولا نسكت حصرا، بل نسكت معتبرين، وننطق مرشدين.
Halaman tidak diketahui