على أعدائه جعلت وبالا
حباك أخو أمية بالمراثي
مع المدح الذي قد كان قالا
وألقى رحله أسفا وآلى
يمينا لا يشد له حبالا
الفصل الثالث
في نوادر حاتم الطائي
حاتم في صغره
كان حاتم من شعراء العرب وكان جوادا يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفرا إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله أن لا يقتل وحيد أمه، وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرا من الإبل فيطعم الناس ويجتمعون إليه، فكان ممن يأتيه من الشعراء الحطيئة وبشر بن أبي خازم، فذكروا أن أم حاتم أتيت وهي حبلى بالمنام فقيل لها: أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس، ليوث ساعة الباس، ليسوا بأوغال ولا أنكاس، فقالت: حاتم، فولدت حاتما، فلما ترعرع جعل يخرج أمامه فإن وجد من يأكل معه أكل، وإن لم يجد طرحه، فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال له: الحق بالإبل، فخرج إليها، ووهب له جارية وفرسا وفلوها، فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا، فبينما هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق فأتاهم، فقالوا: يا فتى هل من قرى، فقال: تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل، وكان الذين بصر بهم ابن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني وكانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا بالقرى اللبن، وكانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بد متكلفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت ولكن رأيت وجوها مختلفة وألوانا متفرقة فظننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منكم ما رأى إذا أتى إلى قومه، فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله، فقال حاتم: أردت أن أحسن إليكم فكان لكم الفضل علي وأنا أعاهد الله فأضرب عراقيب إبلي عن آخرها وتقدموا إليها فتقتسموها، ففعلوا فأصاب الرجل تسعة وتسعين بعيرا ومضوا على سفرهم إلى النعمان، وإن أبا حاتم سمع بما فعل، فأتاه فقال له: أين الإبل؟ فقال: يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة لجيد الدهر وكرما لا يزال الرجل يحمله ببيت شعر أثنى به علينا عوضا عن إبلك، فلما سمع أبوه ذلك قال: والله لا أساكنك أبدا فخرج أبوه بأهله وتركه هائما ومعه جاريته وفرسه وفلوها، فقال يذكر تحول أبيه عنه:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى
Halaman tidak diketahui