فركب وذهب بجيشه إلى «الري» وحاصرها وافتتحها ودخلها؛ فخاف إبراهيم بن المهدي وخرج مسرعا من داره عند الظهر، وهو لا يدري إلى أين يذهب!
وكان المأمون قد جعل لمن أتاه به مائة ألف درهم، وفيما كان إبراهيم سائرا في الطريق رأى زقاقا فمشى فيه، فوجده غير نافذ، فقال: إن رجعت يرتاب الناس في أمري، والشارع غير نافذ، فما الحيلة؟!
2
ثم نظرت فرأيت في صدر الشارع عبدا أسود واقفا على باب بيته، فتقدمت إليه، وقلت له: هل عندك موضع أقيم فيه ساعة من النهار؟ قال: نعم. وفتح الباب، فدخلت إلى بيت نظيف فيه حصير وبساط ووسادة نظيفة، ثم أغلق العبد علي الباب وذهب.
فخطر لي أنه سمع بالمكافأة التي خصصها المأمون لمن يجيئه بي، وطمع بها وخرج ليدله علي، فبقيت خائفا حائرا في أمري، وبينما كنت أفكر في ذلك إذ جاءني العبد ومعه حمال يحمل كل ما يحتاج إليه من خبز ولحم وفاكهة، فأنزلها عن ظهر الحمال وقال له: امض بخير. فخرج وأقفل وراءه باب الدار.
ثم جاءني العبد وقال لي: جعلت فداك يا مولاي، إني رجل فقير، وأعلم أنك ربما تجنبت قذارتي؛ فأتيتك بأشياء من خارج البيت.
3
قال إبراهيم: وكنت شديد الجوع وبي حاجة عظيمة إلى الطعام، فطنخت لنفسي قدرا لم أدر أني أكلت ألذ منها في حياتي، فلما انتهيت من الطعام، قال لي العبد: هل لك يا مولاي في شراب يزيل الهم؟ قلت: لا بأس، فإني أرغب في مؤانستك.
فمضى وجاءني بشراب معطر، ثم قدم لي بعض الفاكهة، وقال لي: أتأذن لي يا مولاي بالجلوس بجانبك ؟ فقلت له: اجلس، ثم فتح خزانة، وأحضر منها عودا، وقال لي: لا أجسر أن أطلب منك الغناء، فهل تسمح لي يا مولاي أن أغني؟ فقلت له: ومن أين علمت أني أحسن الغناء؟
فقال: سبحان الله! مولاي أشهر من أن يخفى، ألست أنت سيدي إبراهيم بن المهدي خليفتنا بالأمس، والذي جعل المأمون لمن دله عليه مائة ألف درهم؟!
Halaman tidak diketahui