جرت على حدود البلجيك حادثة وحكايتها أن الألمان نصبوا أسلاكا عالية على الحدود الفاصلة بين الأراضي البلجيكية والأراضي الهولندية ليمنعوا الناس من المرور وأقاموا الحرس والجنود على طول تلك الخطوط، وحدث أن فلاحا بلجيكيا كان في الأراضي الهولندية فلم يستطع العودة إلى قريته بالقرب من الحدود فدنا من الأسلاك العالية وأبصر ابنته عن بعد في منطقة الأراضي البلجيكية فهتف لها وأراد أن يكلمها ولكن الحرس الألماني لم يمهلوه بل بادروه برصاص بنادقهم فوقع صريعا على مرأى من ابنته المسكينة التي سقطت مغمى عليها حزنا وجزعا، وقد جاءت دورية من الجنود الهولنديين فرفعوا جثة الرجل وأخذوها ودفنوها. •••
الحرب خدعة: في أول يوم شهر الرومانيون فيه الحرب على النمسويين فتقت لهم الحيلة أمرا يذكر، ذلك أنهم أرسلوا إشارة إلى أول محطة نمسوية يطلبون منها إرسال قاطرة لتنقل قطارا مشحونا حبوبا وقمحا إلى النمسا فأرسل موظفو سكة الحديد قاطرة قطرت قطارا طويلا إلى المحطة (وهي محطة غامش) وكان القطار «مشحونا» جنودا رومانيين فلا حبوب هناك ولا قمح والنمسويون عن ذلك غافلون، ولما بلغ القطار المحطة النمسوية فتح الجنود الرومانيون أبواب المركبات وقفزوا منها وباغتوا حامية غامش فأخذوها على غرة قبل ما يتسنى لها الدفاع عن نفسها، وزحف الجنود الرومانيون من غامش على النمسا ولا غرو فالحرب خدعة. •••
ملكة شجاعة: رغبت الملكة ولهمينا ملكة هولندا في التفرج على الغواصة عندما تغطس تحت الماء، فلبي طلبها وتمكنت من البقاء في جوف البحر نحو نصف ساعة، فكانت أول ملكة نزلت في غواصة ومخرت بها عباب الماء تحت سطح البحر، وقد ولدت الملكة ولهلمينا في سنة 1880 فيكون عمرها الآن 36 سنة. •••
مصرع نجل رئيس وزراء إنكلترا: لا غرو إذا أكبر الفرنسويون أفعال إخوانهم وحلفائهم الإنكليز في ساحات القتال في فرنسا، وأكثروا من مديحهم وحمدهم وشكرهم في محافلهم العمومية ومجتمعاتهم وصحفهم، وفتحوا لهم قلوبا رحبة وصدورا واسعة وآخوهم وطلبوا ضم المملكتين ضما حبيا بفتح نفق هائل تحت بحر المانش بين فرنسا وإنكلترا مما كانوا يترددون في عمله قبل هذه الحرب، فإن الإنكليز قد دفعوا عربونا عظيما لصداقة متينة العرى لا تمحى على ممر الأيام والسنين، وتركوا في أرض فرنسا آثارا وذكرى دائمة خالدة لا تموت مع توالي الأجيال - إن أرض فرنسا قد شربت من دماء أبطال شبان الإنكليز - فقيرهم وغنيهم نبيلهم وحقيرهم شيئا كثيرا، جعل الفرنسويين الذين اشتهروا بحفظ الجميل والاعتراف بالفضل يتغنون بإطراء الإنكليز ولا سيما أشرافهم ونبلائهم وأعيانهم الذين لبوا نداء المروءة والوطنية وبادروا عن طيبة خاطر للدفاع عن فرنسا كأنها بلادهم، وساعدوا على صد غارة الألمان، فسقط منهم واحد تلو واحدا صريعا في حومة الوغى، ولقد اطلعنا أخيرا على إحصاء عدد فيه الأشراف وأبناء الأشراف من الإنكليز الذين سقطوا في ساحة الحرب في فرنسا فوجدناه إحصاء طويلا يدل بأجلى بيان على أن النخوة الإنكليزية والحمية السكسونية وتلك الروح القديمة التي قرأها الناس في تاريخ تلك الأمة المجدية، روح الرجولية والفروسية - لا تزال كامنة في صدور النبلاء من أبنائها - والعامة أيضا - كما كانت في صدور أجداد أجدادهم.
ويذكر القراء حكاية الأمير النبيل الدوق أوف وستمنستر الذي قدم مصر في شتاء 1915 الغابر فخاض غبار الصحراء الطرابلسية بعدد يسير من الجنود راكبين الأوتومبيلات المسلحة، واستهدف بحياته إذ أوغل في صحراء قاحلة في بلاد الأعداء وهجم على معسكرهم (من أتراك وسنوسيين) فقاتلهم وهزمهم، وأنفذ من بينهم تسعين أسيرا من أبناء جنسه المعتقلين هناك من بحارة البارجة «تارا» وأركبهم الأوتومبيلات وعاد بهم أدراجه - حكاية تحاكي حكايات الأقدمين بما فيها من شجاعة وشهامة ونخوة وإقدام.
ومن أولئك الإنكليز الأشراف الذي بات اسمهم مقرونا بالفخر لهم ولسليلتهم من بعدهم الشاب المرحوم المستر ريموند أسكويث بكر الوزير المستر أسكويث رئيس وزراء الحكومة البريطانية الذي سقط صريعا في ميدان السوم، وكان عمره 37 سنة وتخرج من جامعة أكسفورد العالية بعدما نال امتيازاتها وفاق على أقرانه، ثم عكف على درس العلوم القضائية والمحاماة فامتاز بهما واشتهر بتضلعه منهما وكان يؤمل له مستقبلا عظيما باهرا، ولما نشبت الحرب تطوع للخدمة العسكرية فدخل ضابطا في فرقة الآلاي الجرينادييه جاردس، وتزوج في سنة 1907 بالآنسة هورنر فرزق منها صبي وبنتان، وكان مقتله جاء على والده الجليل ضغثا على إبالة فتثقل بالأحزان فوق ما ثقلته به الحرب من الهموم والمشاغل والمسؤليات الجسيمة على أن الأحوال توجد الرجال، وكان للوزير نجلان آخران في ميدان القتال. •••
وقال مكاتب روتر يصف سقوط بالون ألماني بإنكلترا وسقط البالون قرب كوخ مجاور لشاطئ البحر، وأفاق الناس من نومهم على صوت عدة البالون فأبصروه يتهادى نحو البحر على ارتفاع ثلاثمائة قدم، ثم دار فجأة نحو البر وهبط فمس رءوس الأشجار استقر على الأرض وسمع الناس اللعنات تتصاعد من مركبات البالون وبعضها بالإنكليزية كما يلفظها الألمان، ثم خرج رجال البالون منه ودنا قائده من باب الكوخ وأخذ يصيح بأعلى صوته ويقرعه فلم يلق جوابا، ثم تشاور القائد ورجاله وسمع دوي ثلاثة انفجارات وصوت تحطيم زجاج النوافذ وسار الألمان إلى الداخلية وهم يطلقون مسدساتهم في الفضاء.
وأخذ الناس يهرعون إلى الطرق وأسرع البوليس على دراجاتهم وأقدامهم إلى مكان الحادثة.
والتقى أحد رجال البوليس بالألمان فاعترض لهم في الطريق، وقال: «ماذا يجري أيها الناس؟» فأجابه أحدهم بصوت عميق قائلا: «دلنا على الطريق.» ولما رأى البوليس أنه وحده في الليل أمام جماعة من الغرباء دلهم على الطريق وأخذ يتبعهم حتى التقى باثنين من زملائه فاجتمع الثلاثة وأخبروا الألمان أنهم أسرى فأطاع القائد الألماني، ولما وصلت دورية من الجنود باح القائد الألماني باسمه، وطلب أن يسمح له بالذهاب إلى أقرب مكتب بريد ليكلم واحدا بالتليفون ويكلفه أن يبشر قرينته بسلامته، فرفض طلبه هذا وسيق الألمان مأسورين. «حدث هذا كله تحت جنح الظلام في طريق في الريف، أما البالون فقد سد الطريق وارتفع فوق الأشجار والمباني فصغر حجمها في عين الناظر بالنسبة إليه، ويقال إنه يكاد يكون سليما وإن عدده في أتم نظام، ولكن يظهر أنه أصيب بالقنابل غير مرة، وقد عثروا فيه على مدافع وخارطات ومذكرات وتعليمات وتلغرافات وأجزاء آلات ووجدوا في الحقول أطعمة ألمانية ألقاها رجال البالون منه قبل نزولهم.» •••
روى جندي إنكليزي عما جرى له مع جندي ألماني في ساحة القتال في ميدان السوم، قال وهو طريح الفراش من جروح كثيرة في جسمه: «صدر الأمر إلى رجال فرقتي أن تتقدم إلى الأمام وتهاجم مواقع الألمان ولكني أصبت لسوء حظي بجرح بالغ أقعدني عن الهجوم فحملني رفيق لي ووضعني في حفرة من الحفر التي فتحتها القنابل وديعة، واشترك هو مع إخوانه في الهجوم وبينما أنا منهمك في ربط جرحي ومنع النزيف أحتمل الآلام والأوجاع إذا جندي ألماني انتصب أمامي خارجا من مخبأه وفي يده بندقيته في رأسها حربة وهجم علي يريد قتلي طعنا بحربته، ولم يعمد إلى إطلاق الرصاص خوفا من تنبيه رفقائي الذين ابتعدوا عنا، وأدركت أن عدوي اغتنم فرصة ابتعاد فرقتي وخلو الجو له فأراد قتلي ليلبس ملابسي ويقترب من معسكرنا فيتجسس لقومه، ففي تلك اللحظة شعرت أن الطبيعة أعطتني من الضعف قوة؛ فدفعت عني برجلي طعنة نجلاء لو أصابتني لقضت علي، وأمسكت بيدي السليمة حربة البندقية ولم أفلتها مع أنها جرحت كفي؛ فآلمني الجرح وتمكنت من جذب البندقية وخصمي إلي، ثم جرى صراع شديد بيننا وكانت قواي تخور رويدا رويدا وجروحي الجديدة تزيدني ألما إلا أنني وفقت إلى القبض على عنق خصمي فضيقت عليه الخناق، وما تركته إلا بعدما أطبق عينيه فتركني وكانت قواي قد وهنت وخارت واعتراني دوار، ثم غبت عن الصواب ولا أعلم ما جرى بعد ذلك.» •••
Halaman tidak diketahui