عرفت أحمد أفندي نجيب، وهو مأمور لمركز المنصورة منذ ثماني سنوات تقريبا في اليوم الذي حدثت له تلك الحادثة المشهورة مع بعض وكلاء الصحف، فرأيت الرجل مثال الأمانة والاستقامة، اشتهر بين الناس أجمعين بالتقى والعبادة والنزاهة، حتى إنه أفرط في المحافظة على روح القانون إفراطا غريبا، فلم يكن يفرق بين شخص وآخر؛ إذ كل الناس لديه سواء.
وهو ذو همة علياء؛ فقد طارد كبار اللصوص في الفيوم مطاردة ألقت الرعب في قلوبهم، وشهد له المستشار السابق وجميع كبار نظارة الداخلية بالإقدام الغريب والنزاهة التامة.
ومما يروى عنه أنه ضبط قاتلا فحكم عليه بالإعدام، ولكنه مع ثقته بعدل القضاء كان يخشى كثيرا أن يكون رجلا مظلوما، فاتفق مع حارسيه في سجنه على أن يسألوه عند منتصف الليل تماما من يوم معلوم عما حمله على إنكار الجريمة، حيث يكون هو واقفا بالباب مصغيا لما يجيب به فصدعوا بأمره، وعندما سألوا القاتل ذلك السؤال أجابهم: «وهل يجوز الاعتراف في مثل هذه الأحوال؟»
فعند ذاك استراح ضميره الحي، وأيقن أن الرجل قاتل أثيم يستحق القتل، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.
وهو الآن مأمور الأوقاف في الفيوم، وشهرته ذائعة بالاستقامة والفضل، فما قول القارئ الكريم في هذا التباين العجيب بين الوالد والولد. •••
عرف القارئ أن حافظا استلم إدارة محل الكهرباء لمساعدة أبيه، فمضت أيام لم أره فيها، ولكني علمت أن صاحب فندق البوستة يفتش عليه؛ لأنه علم بأن حافظا ليس ابن أخي أفلاطون باشا كما ادعى «صح النوم»، وأنه احتال عليه.
وقد صادف أني شاهدت الرجل بنفسي وسألته جلية الخبر فقصه علي مفصلا، ثم سألني إذا كنت أشتري مبلغ الستين جنيها التي له على حافظ بخمسة جنيهات، ويحول لي الكمبيالة، فأبيت طبعا.
ثم لم تمر أيام قليلة حتى هجر حافظ محل أبيه، ولا حاجة بي إلى ذكر السبب؛ لأنه لا يجوز للكاتب أن يدخل بين الوالد والولد.
وهكذا ذهب أمل أبيه سدى كما ذهبت أموال وأحلام صاحب فندق البوستة أدراج الرياح.
نابغة المحتالين
Halaman tidak diketahui