وأما (الرَّحْمَن) فإنه مختص بالعلمية ومصنوع لها، كما أن " الدبران " وإن
كان مشتقًا من " دبرت " ولكنه صيغ للعلمية، فجاء على بناء لا يكون في النعوت.
ويدلك على أنه (علم) وروده في القرآن غير تابع لاسم قبله، كما ورد
غيره من الأسماء التي لا تجري مجرى الأعلام.
فلما ثبت أنه علم امتنع أن يكون نعتًا، لأن العلم ينعت ولا ينعت به، وإذا امتنع أن يكون نعتًا لم يبق إلا أن يكون بدلًا من الله.
هذا منتهى قولهم، وإليه ذهب الأعلم.
والبدل عندي فيه ممتنع، وكذلك عطف البيان، لأن الاسم الأول لا يفتقر إلى تبيين، لأنه أعرف الأسماء كلها وأبينها، ألا ترى أنهم قالوا:
(وما الرحمن)؟ ولم يقولوا: وما الله؟ ولكنه - وإن كان يجري مجرى الأعلام - فإنه مشتق من الرحمة، فهو وصف يراد به الثناء، وكذلك الرحيم، إلا أن الرحمن من أبنية المبالغة كغضبان ونحوه، وإنما دخله معنى المبالغة من حيث كان في آخره ألف ونون كالتثنية، فإن التثنية في الحقيقة تضعيف، وكذلك في الصفة، فكان " غضبان " و" سكران " حاملًا لضعفين من الغضب والسكر، فكان اللفظ مضارعًا للفظ التثنية، لأن التثنية ضعفان
في الحقيقة، ألا ترى أنهم قد شبهوا التثنية بهذا البناء إذا كانت لشيئين متلازمين فقالوا: " الجلمان " و" القلمان "، فأعربوا " النون " كأنه اسم لشيء واحد، فقد اشترك باب " فعلان، وباب التثنية.
ومنه قول عائشة ﵂
" إذا حاضت المرأة حرم الجحران " بالرفع.
1 / 42