مقدمة المؤلف:
الحمد لله (1) (2) على ما خص وعم من نعمه وظهر وبطن من مننه (3) وإياه نسأل الزيادة في اليقين ولزوم محجة الدين التي لا يضل سالكها ولا يهتدي تاركها وأن يجعل أفضل صلاته وتحياته غادية رائحة على خير خلقه سيدنا محمد نبيه وعترته، ما أضاء نهار، وأسبل قطار.
ومن بعد: فإن المسائل المنتزعة (4) من فقه الناصر (5) رحمه الله وصلت وتأملتها (6) وأجبت المسؤول (7) من شرحها وبيان وجوهها وذكر من يوافق ويخالف فيها.
.
Halaman 61
وأنا بتشييد علوم هذا الفاضل البارع كرم الله وجهه أحق وأولى، لأنه جدي من جهة والدتي، لأنها فاطمة بنت أبي محمد الحسن (1) بن أحمد أبي (2) الحسين صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد الحسن (3) بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي السجاد زين العابدين ابن الحسين السبط (4) الشهيد ابن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، و (5) الطاهرين من عقبه عليهم السلام والرحمة والناصر: كما تراه من أرومتي، وغصن من أغصان دوحتي، وهذا نسب عريق في الفضل (6) والنجابة والرئاسة.
أما أبو محمد الحسن (7): الملقب بالناصر ابن أبي (8) الحسين أحمد، الذي شاهدته وكاثرته، وكانت وفاته ببغداد في سنة ثمان وستين وثلاث مائة، فإنه كان خيرا فاضلا دينا، نقي السريرة جميل النية حسن الأخلاق، كريم النفس وكان معظما مبجلا مقدما في أيام معز الدولة وغيرها رحمه الله (9) لجلالة نسبه ومحله في نفسه، ولأنه كان ابن خالة بختيار عز الدولة فإن أبا الحسين أحمد والده تزوج كنز حجر بنت .
Halaman 62
سهلان السالم (1) الديلمي، وهي خالة بختيار وأخت زوجة معز الدولة ولوالدته هذه بيت كبير في الديلم وشرف معروف وولي أبو محمد الناصر - جدي الأدنى - النقابة على العلويين بمدينة السلام عند اعتزال والدي رحمه الله لها سنة اثنتين (2) وستين وثلاث مائة.
فأما أبو الحسين أحمد بن الحسن (3) فإنه كان صاحب جيش أبيه وكان له فضل وشجاعة ونجابة (4) ومقامات مشهورة يطول ذكرها وأما أبو محمد الناصر الكبير وهو: الحسن (5) بن علي، ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى اهتدوا به بعد الضلالة، وعدلوا بدعائه عن الجهالة، وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى، وأظهر من أن تخفى، ومن أرادها أخذها من مظانها.
فأما أبو الحسن (6) علي بن الحسين (7) فإنه كان عالما فاضلا.
وأما الحسن (8) بن علي فإنه كان سيدا مقدما مشهور الرئاسة.
وأما علي بن عمر الأشرف، فإنه كان عالما، وقد روى الحديث.
وأما عمر بن علي بن الحسين ولقبه الأشرف، فإنه كان فخم السيادة، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معا الأموية والعباسية وكان ذا علم، وقد روي عنه .
Halaman 63
الحديث.
وروى أبو الجارود زياد بن المنذر، قال: قيل لأبي جعفر الباقر عليه السلام: أي إخوتك أحب إليك وأفضل؟ فقال عليه السلام: " أما عبد الله فيدي التي أبطش بها - وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه - وأما عمر فبصري الذي أبصر به، وأما زيد فلساني الذي أنطق به، وأما الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (1).
وأنا الآن مبتدئ بالكلام على المسائل، وإيضاح الحق منها (2)، ومن الله استمد المعونة وحسن التوفيق، فما يظفر بهما إلا من أعطاه، ولا يملكها سواه، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
Halaman 64
كتاب الطهارة
Halaman 65
المسألة الأولى:
قال الناصر رحمه الله:
" إذا وقعت النجاسة في ماء يسير نجس، تغير بها أو لم يتغير " (*).
قال الشريف الأجل المرتضى علم الهدى رحمه الله: هذا صحيح، وهو مذهب الشيعة الإمامية وجميع الفقهاء، وإنما خالف في ذلك مالك (1) والأوزاعي (2) وأهل الظاهر (3) وراعوا في نجاسة الماء - القليل منه والكثير - تغير أحد أوصافه من طعم، أو لون، أو رائحة (4).
والحجة في صحة مذهبنا: إجماع الشيعة الإمامية، وفي إجماعهم عندنا الحجة،
Halaman 67
وقد دللنا على ذلك في غير موضع من كتبنا (1).
وأيضا قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) (2) وقوله تعالى: (والرجز فاهجر) (3)، وقوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة والدم " (4).
وهذه الظواهر تقتضي تحريم النجاسة من غير مراعاة لتغير الأوصاف التي هي الطعام واللون والرائحة.
المسألة الثانية:
" إن وقعت النجاسة في ماء كثير لم ينجس، ما لم يتغير أحد أوصافه، والكثير ما بلغ قلتين فصاعدا " (5).
قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
فقالت الشيعة الإمامية: إن الماء الكثير لا ينجس بحلول النجاسة فيه إلا بأن يغير لونه أو طعمه أو رائحته.
وحد الكثير عندهم ما بلغ كرا فصاعدا.
وحد الكر ما وزنه ألف ومائتا رطل بالرطل المدني، والرطل المدني مائة وخمسة وتسعون درهما.
وقال أبو حنيفة (6) وأصحابه: كل ماء تيقنا حصول النجاسة فيه، أو غلب في .
Halaman 68
ظننا ذلك، فهو نجس لا يجوز استعماله، قليلا كان الماء أو كثيرا، تغيرت صفاته أو لم تتغير (1).
وراعى مالك والأوزاعي والشافعي (2) وأهل الظاهر في الماء القليل والكثير تغير الأوصاف (3).
وراعى الشافعي القلتين، فما بلغه المقدار عليها لم ينجس عنه، وما نقص عنها نجس (4).
وقال الحسن بن صالح بن حي (5): إذا كان الماء أقل من كر وحلته نجاسة نجس، .
Halaman 69
وإذا كان كرا لم ينجس (1) وحد الكر بأنه ثلاثة آلاف رطل (2).
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) (3).
وقد علمنا أن الماء الكثير إذا خالطته نجاسة فلم يتغير أحد (4) أوصافه، لم يخرجه من أن يكون منزلا من السماء ومن أن يكون مستحقا لهذا الوصف، فيجب أن يكون الحكم المقترن بهذا الاسم (لازما له ما لزمه هذا الاسم) (5).
وقد روى أصحاب الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (6).
وروت الشيعة الإمامية عن أئمتها عليهم السلام بألفاظ مختلفة، ووجوه مختلفة: إن الماء إذا بلغ كرا لم ينجسه ما يقع فيه من نجاسة، إلا بأن يغير أحد أوصافه (7).
وأجمعت الشيعة الإمامية على هذه المسألة، وإجماعها هو الحجة فيها.
وأما الكلام في تصحيح الحد الذي ذكرناه من الكر وتعينه بالأرطال، فالحجة في صحته إجماع الإمامية عليه وإجماعها هو الحجة.
.
Halaman 70
وأيضا فإن الشافعي الذي يخالفنا في تحديده بقلتين، مذهبنا أولى من مذهبه، لأن القلة اسم مشترك بين أسماء (1) مختلفة، كقلة الجبل، والجرة، ويستعمل أيضا في ذروة كل شئ وأعلاه، وفي غير ذلك. والكر يتناول شيئا واحدا فإن اختلفت مقاديره في البلدان وعادات أهلها فالتحديد به أولى.
فإن قيل قد روى الشافعي ما يزيل الاحتمال في ذلك، وهو قوله: بقلال هجر (2) (3).
قلنا: قد ذكر أهل العلم أن التحديد بقلال هجر من جهة الراوي (4)، وأنه ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن الاشتراك باق مع هذا اللفظ لأن قلال هجر اسم مبهم يحتمل سائر ما تقدم ذكره.
فأما الكر وإن كان مختلفا في مقاديره (5)، فليس يختلف ما يقع عليه هذا الاسم كاختلاف ما يقع عليه اسم القلة ويجري الكر في ما يتناوله مجرى قولنا: " رجل " في أنه يقع على أمر (6) واحد غير مختلف في حقيقته وإن اختلف الرجال في الطول، والقصر والعلم، والجهل، والأوصاف المختلفة ويجري اسم القلة مجرى قولنا:
" شئ " في اختلاف ما يتناوله على أننا نتمكن من استعمال خبر القلتين ونحمله على الجرتين الكبيرتين اللتين .
Halaman 71
تبلغ ما تسعانه مقدار الكر، وأصحاب القلتين لا يمكنهم استعمال خبر الكر، لأنه لا نعرف شيئا من الأكرار تبلغ خمس مائة رطل.
فإن قيل: ولا نعرف أيضا كرا يبلغ ألفا ومائتي رطل.
قلنا: الأكرار مختلفة في البلدان وقد ذكر الناس اختلافها ومبالغها في عادات أهلها، وقالوا في الكر السليماني: إنه سدس وعشر العدد (1)، فإنه ألف وتسع مائة رطل وعشرون رطلا بالبغدادي، فإذا نقصنا من ذلك الرطل المدني والعراقي قارب المبلغ الذي ذكرناه، فمن ادعى أن الذي حددنا (2) به الكر غير معروف، مبطل على كل حال.
المسألة الثالثة:
" ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء (*).
هذه المسألة لا أعرف فيها نصا لأصحابنا ولا قولا صريحا ".
والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورودها عليه، فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة (3).
وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة، ويقوى في نفسي عاجلا - إلى أن يقع
Halaman 72
التأمل لذلك - صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه: أنا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة، لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بايراد كر من الماء عليه، وذلك يشق، فدل على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة كما يعتبر فيما ترد النجاسة عليه.
المسألة الرابعة:
" الماء إذا خالطه طاهر فغير إحدى صفاته لا يجوز الوضوء به " (*).
الصحيح عندنا: أن الماء إذا خالطه بعض الأجسام الطاهرة - من جامد أو مايع - فلم يثخن به (1)، ولم يخرج عن طبعه وجريانه ويسلبه إطلاق اسم الماء عليه، فإن الوضوء به جائز، ولا اعتبار في الغلبة بظهور اللون، أو الطعم، أو الرائحة، بل بغلبة الأجزاء على حد يسلبه اطلاق اسم الماء، ووافقنا على ذلك أبو حنيفة (2).
وراعى الشافعي، ومالك في ذلك تغير الأوصاف من لون، أو طعم، أو رائحة، وزعما أن أحد أوصاف الماء متى تغير - ولو باليسير من الطاهر - لم يجز الوضوء به (3).
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقة، قوله تعالى: (فلم تجدوا
Halaman 73
ماء فتيمموا) (1) فنقلنا من الماء عند فقده إلى التراب من غير واسطة، والماء الذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء، ولا ينتقل مع وجوده إلى التراب.
وأيضا قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) (2) عام في كل مائع يتأتى الاغتسال به، إلى أن يقوم دليل على إخراج بعضها.
وليس لأحد أن يدعي: أن يسير الزعفران إذا خالطه الماء سلبه إطلاق اسم الماء، وذلك أن إطلاق الاسم هو الأصل، والتقييد داخل عليه وطار بعده، كالحقيقة والمجاز، فمن ادعى زوال الاطلاق في الماء فعليه الدليل.
وبعد: فإنهم يقولون في ذلك إنه ماء وقع فيه زعفران ولا يضيفونه إليه كما يضيفون الماء المعتصر من الزعفران إليه.
ومما يدل على أن تغير أحد الأوصاف لا معتبر به: أن الماء الذي يجاوره الطيب الكثير كالمسك وغيره، قد تتغير رائحته بمجاورة الطيب، ومع هذا فلا خلاف في جواز الوضوء به.
المسألة الخامسة:
" ولا يجوز الوضوء بشئ من الأنبذة " (*).
عندنا: أن الوضوء بشئ من الأنبذة لا يجوز، لا النية منها، ولا المطبوخة ولا النقيعة، وهو مذهب مالك والشافعي، وأبي يوسف (3) وأحمد بن حنبل (4)
Halaman 74
وداود (5) (6).
وأجاز أبو حنيفة التوضؤ بنبيذ التمر المطبوخ الشديد عند عدم الماء (7).
وقال محمد بن الحسن (8): يتوضأ به ويتيمم مع فقد الماء، وأوجب الجمع بينهما في السفر (9).
دليلنا على صحة مذهبنا مع الاجماع المقدم ذكره، بل إجماع أهل البيت عليهم السلام:
.
Halaman 75
قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) (1) فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة، وأبو حنيفة يخالف هذا الظاهر، لأنه يجعل بينهما واسطة هي النبيذ.
وليس له أن يقول: إن في النبيذ ماء، فمن وجده كان واجدا للماء، ولا يجوز انتقاله إلى التراب وذلك أن ليس كل شئ كان فيه ماء يطلق اسم الماء عليه، لأن الخل، وماء الورد، وسائر المائعات فيها ماء ولا يطلق عليها اسم الماء ويتيمم مع وجودها.
على أنه لو تناول النبيذ اسم الماء لدخل تحت الآية [كدخول الماء المطلق، ووجبت مساواة النبيذ الماء في حكم الآية] (2)، ويلزم جواز الوضوء بالنبيذ مع وجود الماء لأنه جار مجراه، وقد أجمعوا على خلاف ذلك.
على أن الأنبذة المسكرة عندنا نجسة، ولا يجوز الوضوء بها وهي نجسة، وما ليس بمسكر منها فما دل على أن المائعات كالخل وما أشبهه لا يجوز الوضوء بها يدل على أنه لا يجوز الوضوء به.
وقد استقصينا في كتابنا مسائل الخلاف بين سائر الفقهاء (3) الكلام في أنه لا يجوز الوضوء بالأنبذة، وتكلمنا على خبر ليلة الجن (4) ووصفناه، فمن أراد
Halaman 76
الاستقصاء وجده هناك.
المسألة السادسة:
" ولا يجوز الوضوء بالماء المستعمل " (*).
وعندنا أن الماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن الذي لا نجاسة عليه، إذا جمع في إناء نظيف كان طاهرا مطهرا، ووافقنا في ذلك الحسن (1) والنخعي (2) والزهري (3) والثوري (4) ومالك، وداود (5).
.
Halaman 77
وقد قيل: إن مالكا كرهه بعض الكراهية (6).
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن الماء المستعمل لا يجوز الوضوء به (7) واختلفوا في نجاسته.
فقال أبو يوسف: هو نجس وروي مثل ذلك عن أبي حنيفة (8) والصحيح من قول أبي حنيفة أنه طاهر غير مطهر، وهو قول محمد بن الحسن (9) وقال الشافعي إنه طاهر وغير مطهر أيضا (10)، وقد حكى عنه عيسى بن أبان (11) أنه طاهر مطهر (12)، وذلك غير معمول عليه.
.
Halaman 78
والدليل على صحة مذهبنا: الاجماع المقدم ذكره.
وأيضا قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) (13) وهذا عموم في المستعمل وغيره، لأن الاستعمال لا يخرجه عن كونه منزلا من السماء.
وأيضا قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) (14) والواجد للماء المستعمل واجد لما يتناوله اسم الماء.
وأيضا قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (15) فأجاز عز وجل الدخول في الصلاة بعد الاغتسال، ومن اغتسل بالماء المستعمل يتناوله اسم المغتسل بلا شبهة.
ولا معنى لخلاف من يخالف في أن إطلاق اسم الماء لا يتناول المستعمل، ويدعي أنه بالاستعمال قد خرج عن تناول الاسم له.
وذلك أن الوصف للماء بأنه مستعمل وصف غير مؤثر فيه، ولا مخرج له من تناوله لاسم الماء المطلق ويجري في ذلك مجرى الماء المشمس والمبرد والمسخن.
ومما يدل على أن بالاستعمال لم يخرج عن تناول اسم الماء المطلق حتى يصير في حكم ماء الورد وماء الباقلاء، أنه لو شربه من حلف أنه لا يشرب ماء لحنث باتفاق، ولو شرب ماء الورد لم يحنث وقد استقصينا هذه المسألة أيضا في مسائل الخلاف.
.
Halaman 79
المسألة السابعة:
" لا يجوز التوضؤ بالماء المغصوب " وتحقيق هذه المسألة إنه لا خلاف بين الأمة في أن استعمال الماء المغصوب قبيح لا يجوز في الشريعة لأنه تصرف في ملك الغير بلا إذنه.
وليس المراد بقولهم: إنه يجوز التوضؤ به أو لا يجوز هذا المعنى، بل المراد بذلك:
هل يكون من توضأ بالماء المغصوب، وفعل قبيحا بتصرفه فيه، واستحق العقاب والذم، مزيلا لحدثه ومستبيحا بذلك الصلاة، أو لا يكون كذلك؟ (1).
وعندنا أن الوضوء بالماء المغصوب لا يزيل الحدث، ولا يبيح الصلاة، وخالف سائر الفقهاء في ذلك وادعوا: أن الوضوء به مجز ومزيل الحدث، وإن كان قبيحا (2).
والدليل على صحة مذهبنا: الاجماع المتقدم ذكره، وأيضا فقد دل الدليل على أن الوضوء عبادة وقربة، ومما يستحق به الثواب، ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى واستحقاق الثواب منه بالمعاصي ولا خلاف أن الوضوء بالماء المغصوب معصية وقبيح وحرام.
وأيضا فلا خلاف في أن نية القربة والعبادة في الوضوء مسنونة مندوب إليها، ولا يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بالمعاصي والقبائح.
Halaman 80
المسألة الثامنة:
" ولا يجوز التحري في الأواني وإن كانت جهة (1) الطاهر أغلب " (*).
وهذا صحيح وإليه ذهب أصحابنا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز التحري في الإناءين، ويجوز في ما عدا ذلك إذا كانت الغلبة للطاهر (2) وأجاز الشافعي التحري في الإناءين، وفي ما زاد على ذلك (3).
دليلنا على المنع من التحري في الآنية التي يتيقن نجاسة أحدها: قوله تعالى:
(فلم تجدوا ماء فتيمموا) (4)، وإنما عنى بالوجود القدرة على الماء الطاهر والتمكن منه، ومن لا يعرف الشئ بعينه ولا يميزه فليس يتمكن منه ولا واجد له، ولأنه تعالى لم يذكر التحري في الآية بل أمر باستعمال الماء عند وجوده، والتراب عند فقده من غير أمر بالتحري، فمن أوجبه فقد زاد في الظاهر ما لا يقتضيه.
المسألة التاسعة:
" سؤر السباع نجس " (* *).
الصحيح عندنا أن سؤر جميع البهائم من ذوات الأربع والطيور - ما خلا الكلب
Halaman 81