قلت وقد عجبت من مضي الوقت سريعا: «حسنا جدو، لكن عليك أن تكمل لي القصة غدا.» أجاب: «بالتأكيد، سأكملها لك لكن دعي الغد للغد، لا أحد يعلم ماذا يحمل الغد لنا.»
ما الذي قصده جدو نور من أنه لم يدرك ذلك إلا متأخرا؟ ماذا حدث لها؟ هل يعقل أن تكون قد ماتت؟ ارتعبت للفكرة وأبعدتها فورا من خيالي، ثم تذكرت العقد السماوي اللون، ما علاقته بما حدث؟ علي أن أعرف المزيد!
كتبت على صفحتي في الفيسبوك:
الحياة مليئة بالمفاجآت، علي أن أكون مستعدة لها كلها.
2
عدت إلى البيت وأذان المغرب يصدح في المآذن فلم أجد أحدا فيه، وجدت رسالة على الطاولة بخط أمي كتبت: «نحن في بيت خالك محمد فقد توفيت زوجته، تعالي فورا.» يا إلهي! زوجة خالي هند العزيزة، كيف؟ قبل أيام كنا معا! كانت صدمة كبيرة. بدلنا ثيابنا وانطلقنا إلى بيت خالي، كان باب البيت مفتوحا والأنوار مضاءة، وجدت الكثير من النسوة اللاتي لا أعرف معظمهن، كان السواد سيد كل شيء؛ الثياب والدموع والوجوه. مشيت أتفحص الوجوه أبحث عن وجه أمي، وأنا أشد بإحكام على يد فاطمة. لم أشعر يوما بالوحشة في بيت خالي كما اليوم، وإذا بيد تشدني من كتفي، التفت فإذا هي أمي لكنها كانت في حالة أخرى جعلتني أرتمي بين يديها وأعانقها. في تلك اللحظة أخذت أبكي فجذبتني أمي إلى الداخل، وكذلك بكت فاطمة وارتفع صوتها عاليا مما رد إلي قليلا من وعيي بنفسي، تمالكت دموعي وأخذت أهدئ من بكاء أختي الصغيرة، وحين هدأنا قليلا سألت أمي: «ماذا حدث؟ كيف ماتت؟» قالت: «لا أحد يعلم، كانوا عند بيت جيرانهم قبل ذلك بيوم، وسهروا جميعا ثم عادوا إلى بيتهم، وحين طلع الصباح استيقظ الجميع إلا هي.» حملقت في أمي وقلت: «غير معقول، ماذا حدث في الحقيقة؟ هل تسممت؟ هل مرضت؟ كيف؟ هكذا فجأة؟ لا يمكن أن أصدق.»
ثم اندفعت خارجة من الغرفة فاصطدمت بابنة خالي الكبيرة، عانقتها وعدت إلى البكاء مجددا وكذلك فعلت هي، ثم سألتها: «أخبريني ماذا حدث بالضبط؟ هل كانت مريضة؟» قالت: «كلا، لم تكن تشكو من شيء سوى من أعراض كبر العمر الاعتيادية، لكنها البارحة كانت تعرف.» سألتها: «ماذا تقصدين؟ ماذا تعرف؟» قالت: «كانت تعرف أنها ... أنها ...» وأخذت تبكي مجددا وأنا أحدق فيها، ثم قالت: «يوم أمس طلبت مني أن آتي إلى زيارتها، فاعتذرت بانشغالي بتدريس أولادي، فألحت علي، فأتيت، وجلسنا هنا، على هذه الأريكة بالذات. وضعت ولدي في حضنها وأخذت تلاعبهما وتقبلهما وتدعو لهما، وقالت: «من يعلم ما الذي يخبئه الغد لنا؟»» وسكتت قليلا، وراحت عبارتها الأخيرة تتردد في عقلي فقبل أقل من ساعة سمعتها بالذات من جدو نور! انتشلتني مجددا من ذهولي حين قالت: «وأخذت أمي تطلعني على المكان الذي خبأت فيه بعض الذهب والمال، وتوصيني أن أنفق شيئا منه على الفقراء والأيتام، كنت أضحك يا سماء، هل تصدقين ذلك؟ لقد كانت تعرف، حتى إنها أوصتني بأبي.» وأخذت تبكي مجددا، كان الذهول مسيطرا علي، لم أعد أبكي بل استغرقت في التفكير، هل يمكن للمرء أن يملك حدسا بما سيحدث؟ وخاصة بقرب وفاته؟ يبدو هذا غريبا حقا!
كانت أمي منشغلة بفاطمة، فتسللت إلى حيث كانت جثة زوجة خالي، كانت موضوعة على طاولة الطعام مغطاة بقماش أبيض، ورائحة طيبة تملأ المكان، اقتربت خطوة إلى الأمام، فمنعتني سيدة، فأومأت لها أخرى بالسماح لي، اقتربت أكثر ورفعت القماش عن وجهها، يا إلهي! أمسكت بيدها فإذا بها باردة كالثلج، هذا هو الموت! من أنت؟ ما هذا الشيء الذي يرقد أمامي؟ شعرت بغربة ووحشة، إنها هي وليست هي، لكن في الحقيقة أين هي؟ لا أرى أمامي إلا الموت مجسدا بهيئة زوجة خالي، لكن أين هي الآن؟ أتراها ترقبنا في هذه اللحظة من مكان ما؟ سرت رعشة في جسدي وأخذت أنظر إلى الأعلى، أين أنت يا هند؟ هل أنت في الأعلى؟ أم هنا؟ وجعلت أقلب نظري إلى الأعلى وإلى الأسفل حيث جسدها يرقد أمامي، فشعرت بغربة عنه وكأنني لا أعرف هذه السيدة، أو بالأحرى هذه الجثة!
أومأت لي المرأة التي معنا بشيء من التوبيخ بأن أتلو لها الفاتحة، رفعت يدي ... اهدنا الصراط المستقيم ...
آمين، الصراط المستقيم، ما هو؟ أتراها عرفته الآن؟ يقولون إن الروح حالما تخرج من البدن تعرف كل شيء، عندها ربتت المرأة على كتفي وأومأت لي برأسها لأخرج.
Halaman tidak diketahui