يا إلهي! أي سخف وأي ظلم تمارسه هؤلاء النسوة على الناس؟ وما هذه الأفكار والآراء المتناقضة؟ أيقنت حقا أن رضا الناس غاية لا تدرك!
بعد ذلك جاء العشاء توزعه المضيفات على الحاضرات، في هذه الأثناء كانت الأصوات قد خفتت، وكل من كانت واقفة جلست خشية أن يفوتها عشاؤها. وقفت أنظر إليهن، وذلك بعد أن استلمت طبقي بالطبع فقد كنت جائعة جدا، انهمكن جميعا في الطعام وفي الحديث الذي لا ينتهي. بدأت بتناول الطعام، كان شكله شهيا لكنه كان باردا ولا روح فيه، ومع ذلك التهمته كله، نظرت إلى أمي فإذا بها تنتهرني بعينيها، واقتربت من أذني وهمست: «كم مرة علي أن أقول لك عليك أن تتركي شيئا في الطبق؛ فمن العيب التهامه كله.» «لكنني جائعة» أجبتها رافعة صوتي، فتغير لون أمي، وأخذت تتلفت يمينا وشمالا، وشعرت أنني أصبتها بسكتة قلبية، خاصة أن النسوة حولنا التفتن ليرين من هذا الكائن النهم الذي التهم كل ما في الطبق؟! عندها سمعت امرأة كانت تجلس خلفنا: «وهل يسمون هذا عشاء؟ أفقر العائلات تقدم أفضل من هذا، يا لبخلهم!» التفت لأرى صاحبة الصوت، فوجدتها مثلي قد التهمت الطبق كله إلا أنها تزن أضعاف ما أزن فلا يكاد الكرسي يحملها، ضحكت وكتمت ضحكتي، وعدت أراقب العروس. كانت جميلة وصغيرة وسعيدة لا تكاد الضحكة تفارق فمها، أحببتها ورثيت لحالها؛ فبعد يومين ستترك أهلها وإخوتها وبيتها وغرفتها وذكرياتها لتسافر بعيدا حيث كل شيء جديد عليها. لكنني في الوقت نفسه تمنيت أن أسافر أنا أيضا لأكتشف الجديد، لأرى وجها آخر للعالم، ولأبحث عن الله كما كنت قد عاهدته يوما.
عدنا إلى البيت وقد أذن الفجر، وأنا أترنح من ألم قدمي من الحذاء ذي الكعب العالي، وقبل أن يسطو علي النوم كتبت في صفحتي:
في بلادي، تأتي النسوة إلى الأعراس لغرضين لا ثالث لهما؛ أما الأول فلكي تتباهى كل واحدة منهن بثيابها ومجوهراتها وبأنها تملك أكثر فهي إذن أرقى وأفضل. وأما الثاني فلمراقبة العروسين، والحكم على شكليهما، والتدقيق فيما جلبه العريس لعروسه من ذهب وهدايا، وما أنفقه أهله على الحفل من عشاء وسواه. تيقنت أنه لا يمكن إرضاء الناس مهما فعلت، وأن النسوة فوتن على أنفسهن متعة الأعراس الحقيقية، الرقص.
وكتبت أيضا:
انتقاد الآخرين وإطلاق الأحكام عليهم يعطيك شعورا بالنشوة التي توقعك في وهم الصواب المطلق، وأن ما سواك خطأ مطلق، فتعمى عن رؤية معايبك.
ورحت أغط في نوم عميق.
4
استيقظت ظهر اليوم التالي منهكة؛ فالسهر لا يناسبني. وجدت أمي مهمومة وحين سألتها عن السبب أجابت: «تعرفين أم رمزي التي تحضر الدروس معنا؟» قلت: «نعم ، ما بها؟» قالت : «لقد كانت حاضرة ليلة البارحة في العرس، ورأتني ولم تسلم علي»، أجبتها: «نعم، وماذا في ذلك؟» قالت: «لا تعرفين؟ نحن نحضر دروس الدين، من المفترض إذن ألا نحضر حفلا فيه غناء وموسيقى، أنا متأكدة أنها ستخبر الآنسة والجميع، لكنني كما تعلمين لم أحضر إلا صلة للرحم، وتلبية لخاطر أبيك في حضور زفاف ابن أخته.» قلت وقد صدمني جوابها: «أتعنين ذلك حقا، وهل هذا بالأمر الذي تهتمين له؟ إذا كان هذا صحيحا فلم حضرت أم رمزي إذن؟ إنها شريكتك في الجريمة!» جمدت أمي وكأنما أسمعتها شيئا جديدا، ثم تهلل وجهها وقالت: «صحيح، أنت على حق، هي أيضا كانت حاضرة، فلو تكلمت علي فإنها في الوقت نفسه تؤكد على حضورها؛ لذا فإن من مصلحتها ألا تنطق بشيء.» ثم أمسكت بكتفي وأكملت: «لقد أرحتني فعلا، هيا قومي إلى المطبخ!»
وها هي التصنيفات تدخل بيتنا أيضا، ومع أمي تحديدا؛ فهذه تحضر دروس دين إذن عليها ألا تكون هنا، يجب أن تكون هناك، وتلك لا تحضر إذن يمكن أن تكون هنا لا هناك. تذكرت فتاة جاءت مرة مع أمها إلى الدرس، ولم تكن محجبة، عندها أخبرتها الآنسة أمام الجميع أن عليها أن تلتزم بكل الشروط والتي منها الحجاب في الخارج والداخل لكي تنال امتياز الحضور، وإلا فلا يحق لها، لقد كان ذلك اليوم أول وآخر يوم لها معنا.
Halaman tidak diketahui