Pembangunan Hak Asasi Manusia: Suatu Tinjauan Sejarah
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Genre-genre
12
ومع أن روسو ظن أن روايته أسمى من رواية ريتشاردسون، فإنه صنف كلاريسا على أنها أفضل من سائر الروايات الأخرى: «لم يكتب أحد بعد، بأي لغة من اللغات، رواية تضاهي كلاريسا، أو حتى تدانيها.» واستمرت المقارنة بين روايتي «كلاريسا» و«جولي» على مدار القرن. صرحت جان ماري رولاند، زوجة أحد الوزراء والمنسق غير الرسمي لحزب الجيروندين السياسي إبان الثورة الفرنسية، لإحدى صديقاتها في عام 1789، أنها تعيد قراءة رواية روسو كل عام، ومع ذلك لا تزال تعتبر عمل ريتشاردسون ذروة الكمال، وقالت لها: «ليس في العالم من الناس من يمكنه أن يقدم رواية تضاهي كلاريسا؛ إنها تحفة هذا النوع من الأدب، وهي النموذج الأسمى ومبعث اليأس لكل محاك.»
13
توحد الرجال والنساء على السواء مع البطلات النساء في هذه الروايات، ومن الخطابات التي بعثت إلى روسو نعرف أن الرجال - حتى الضباط العسكريون منهم - تأثروا تأثرا شديدا بجولي. كتب شخص يدعى لويس فرانسوا، وهو ضابط عسكري متقاعد، إلى روسو يقول: «لقد جعلتني مجنونا بها! ولك إذن أن تتخيل الدموع التي اعتصرها مني موتها ... لم أبك قط في حياتي مثل تلك الدموع المبهجة. كان لقراءة تلك الرواية أشد الأثر في نفسي، حتى إنني أوقن أنني كنت سأرحب بالموت بكل سرور خلال تلك اللحظة السامية.» واعترف بعض القراء جهارا بتوحدهم مع شخصية البطلة الأنثى. وقال سي جيه بانكوك - الذي صار فيما بعد ناشرا ذائع الصيت - لروسو: «مست نقاوة مشاعر جولي شغاف قلبي.» تخطى التوحد النفسي الذي يؤدي إلى التعاطف حدود النوع بالفعل؛ إذ لم يتوحد قراء رواية روسو من الذكور مع سانت برو، العاشق الذي أجبرت جولي على هجره، وكان تعاطفهم أقل مع وولمار، زوجها اللطيف، أو البارون دي إيتانج، والدها المتسلط. لقد توحد القراء الرجال - شأنهم شأن النساء - مع شخصية جولي نفسها؛ فقد أضحى نضالها للتغلب على مشاعرها ولعيش حياة العفة هو نضالهم هم.
14
من خلال شكلها ذاته إذن، استطاعت الرواية الرسائلية أن تبرهن أن الذاتية تعتمد على صفات «الكينونة الداخلية» (أن يكون للإنسان جوهر داخلي)؛ ذلك لأن شخصيات الرواية تعبر عن مشاعرها الداخلية في خطاباتها. علاوة على ذلك أوضحت الرواية الرسائلية أن كل النفوس تملك هذه الكينونة الداخلية (فالعديد من الشخصيات تكتب)، ومن ثم كل النفوس متساوية بطريقة ما؛ لأن جميعها متشابه في امتلاك الكينونة الداخلية. فعلى سبيل المثال: أحال تبادل الخطابات الفتاة الخادمة باميلا إلى نموذج لشخصية تتمتع بالفردية والاستقلال الذاتي الأبي بدلا من النمط المتكرر للخادمة التي تدوسها الأقدام. وعلى غرار باميلا، تمثل كل من كلاريسا وجولي رمزا للفردية ذاتها، وهكذا يصبح القراء أكثر وعيا بكينونتهم الداخلية وكينونة كل فرد آخر.
15
وبلا شك لم يشعر كل القراء بنفس المشاعر عند قراءة تلك الروايات؛ فمثلا سخر الكاتب والروائي الإنجليزي الساخر هوراس والبول من «المناحات المملة» لريتشاردسون «التي هي صور مستوحاة من حياة الترف كما رآها بائع كتب، وقصص عشق أضفى عليها أحد معلمي الميثودية الطابع الروحي». غير أنه سرعان ما شعر الكثيرون أن ريتشاردسون وروسو قد أصابا وترا ثقافيا حيويا . وبعد مرور شهر واحد على نشر المجلدات الأخيرة من كلاريسا، نشرت ساره فيلدينج، شقيقة الغريم الأعظم لريتشاردسون، التي كانت هي نفسها روائية ناجحة، كتيبا مكونا من ست وخمسين صفحة تدافع فيه عن الرواية من دون ذكر اسمها. ومع أن شقيقها هنري كان قد نشر واحدة من أول الآثار المقلدة الساخرة ل «باميلا» (بعنوان: «دفاع عن حياة السيدة شاميلا أندروس» يفضح ويدحض الأكاذيب والافتراءات المشينة الكثيرة لكتاب بعنوان «باميلا»، 1741)، فإن ساره كانت قد كونت علاقة صداقة قوية مع ريتشاردسون، الذي طبع إحدى رواياتها. وتصر إحدى شخصياتها الروائية - السيد كلارك - على أن ريتشاردسون قد نجح أيما نجاح في استدراجه إلى شبكة الخيال: «من جانبي، أنا على معرفة وثيقة بكل آل هارلوس (كما وردت في النص)، كما لو كنت قد عرفتهم منذ نعومة أظافري.» وتؤكد شخصية أخرى - الآنسة جيبسون - على مزايا أسلوب ريتشاردسون الأدبي قائلة: «حقا يا سيدي ما قلته عن أن القصة المسرودة بهذا الأسلوب لا يمكن أن تسير إلا ببطء، ولا يمكن أن نرى شخصياتها إلا من خلال الانتباه الشديد للحكاية ككل، غير أن الكاتب يحظى بهذه المزية عن طريق الكتابة في زمن المضارع، كما يقول هو نفسه، والكتابة بصيغة المتكلم بحيث تمس أفكاره قلوبنا في الحال، ونشعر بكل الآلام التي يصورها؛ فلا نبكي من أجل كلاريسا فحسب، بل نبكي معها أيضا، ونصحبها خطوة بخطوة في محنتها وآلامها.»
16
نشر عالم الفسيولوجيا السويسري الشهير والباحث الأدبي ألبرشت فون هالر مقالا، دون أن يذكر اسمه، عبر فيه عن خالص إعجابه برواية «كلاريسا» في مجلة «جنتلمان» في عام 1749. اجتهد فون هالر باستماتة كي يتعامل مع أصالة ريتشاردسون؛ فمع أنه قدر المزايا المتعددة للروايات الفرنسية الأولى، فإنه أكد على أنها: «في العموم لم تقدم ما يزيد عن مجرد صور للأحداث الشهيرة الخاصة بالشخصيات اللامعة»، بينما يرى القارئ في رواية ريتشاردسون إحدى الشخصيات «من نفس الطبقة الاجتماعية التي ننتمي إليها». وأولى الكاتب السويسري اهتماما خاصا إلى شكل الرواية الرسائلية؛ فمع أن القراء قد يواجهون صعوبة في الاقتناع بأن كل الشخصيات راق لها أن تمضي وقتها في تدوين كل مشاعرهم وأفكارهم الداخلية، فإن الرواية الرسائلية استطاعت أن تعرض لوحات في غاية الدقة لشخصيات الأفراد، ومن ثم أثارت ما أطلق عليه هالر الشفقة حين قال: «لم يصور أحد البائسين بمثل هذه القوة قط، ويتضح هذا في أمثلة كثيرة، حتى إن أكثر الطباع قسوة وجمودا تلين وتتحول إلى الشفقة، فتذرف الدمع على إثر موت كلاريسا ومعاناتها وأشجانها.» ويختم بقوله: «إننا لم نقرأ أي عمل، بأي لغة من اللغات، يمكن أن يرتقي لمضارعتها.»
Halaman tidak diketahui