Permulaan Falsafah Ilmiah
نشأة الفلسفة العلمية
Genre-genre
ولقد كانت الرسالة التاريخية التي تعين على التجريبية تحقيقها هي القضاء على الثنائية العقلانية؛ إذ حاولت التجريبية، منذ أيام الذريين والشكاك القدماء، أن تضع فلسفة لهذا العالم، رافضة أن تعترف بما يتجاوزه. ولم يكن من الممكن أن تنجح إلا بعد أن نفض العلم عن نفسه مظهره المتنكر في ثياب عقلانية. وهكذا فإن التحليل الرياضي للطبيعة، الذي كان يبدو في الأصل انتصارا للمناهج العقلانية، وقد اتضح بمضي الوقت أنه أداة لمعرفة تبني ما تدعيه من حقيقة على الإدراك الحسي، وأنه أداة فقط، وليس مصدرا للحقيقة. وبذلك أصبح القرنان التاسع عشر والعشرون، اللذان ندين لهما بهذا التطور، مهدا لنزعة تجريبية جديدة تكتف بمهاجمة المذهب العقلي، بل كانت لديها أيضا وسائل التغلب عليه. ونظرا إلى التجاء هذه النزعة التجريبية إلى مناهج المنطق الرمزي في تحليل المعرفة، فإنها تسمى أيضا بالنزعة التجريبية المنطقية
logical empiricism .
ونستطيع أن نسمي فلسفة النزعة التجريبية الجديدة باسم «الفهم الوظيفي للمعرفة»، في مقابل الفهم المتعالي للمعرفة. وتبعا لهذا التفسير لا تشير المعرفة إلى عالم آخر، وإنما تقدم عرضا للأشياء في هذا العالم، بغية أداء وظيفة تخدم غرضا، هو التنبؤ بالمستقبل. وأود الآن أن أناقش هذا الفهم، الذي أصبح مبدأ من مبادئ التجريبية المنطقية.
إن البشر أشياء ضمن سائر الأشياء الطبيعية، وهم يتأثرون بالأشياء الأخرى بتوسط أعضائهم الحسية. هذا التأثر يحدث أنواعا شتى من ردود الأفعال في الجسم البشري، أهمها رد الفعل اللغوي، أي تكوين نسق من العلامات. وقد تكون العلامات منطوقة أو مكتوبة، وعلى الرغم من أن الشكل المكتوب قد يكون أقل أهمية بالنسبة إلى أغراض الحياة من الشكل المنطوق، فإنه أرفع منه من حيث إنه يخضع لنظام من القواعد أدق، ويكشف بمزيد من الأحكام عن المضمون المعرفي للغة.
فما هو هذا المضمون المعرفي؟ إنه ليس شيئا يضاف إلى نسق العلامات، وإنما هو خاصية لنظام العلامات. فالعلامات أشياء فيزيائية، كخطوط المداد على الورق، أو الموجات الصوتية، تستخدم في علاقة تناظر مع أشياء فيزيائية أخرى، وهذا التناظر الذي لا يرتكز على أي تشابه، مبني على اصطلاح؛ مثال ذلك أن لفظ «البيت» يناظر البيت، ولفظ «أحمر» يناظر صفة الاحمرار، وتتجمع العلامات على نحو من شأنه أن تكون تجمعات معينة لها، تسمى بالجمل، مناظرة لحالات واقعة في العالم الفيزيائي. وفي هذه الحالة توصف تجمعات العلامات هذه بأنها صحيحة؛ مثال ذلك أن الجملة «البيت أحمر»، إذا كانت تناظر حالة واقعة فعلية، تسمى صحيحة. وهناك تجمعات أخرى للعلامات، يمكن تحويلها بإضافة العلامة «لا» إلى جمل صحيحة، تسمى تجمعات باطلة. ويسمى تجمع العلامات الذي يمكن بيان صحته أو بطلانه تجمعا ذا معنى ولهذا التصور أهميته؛ إذ إننا كثيرا ما نهتم بتجمعات للعلامات لا يمكن تحديد صحتها أو بطلانها في الوقت الراهن، ولكن يمكن تحديدها في وقت لاحق. وإلى هذا النوع تنتمي كل عبارة غير محققة، مثل «سيكون الغد يوما مطيرا».
وتعد الإشارة إلى القابلية للتحقيق عنصرا ضروريا في نظرية المعنى. فالجملة التي لا يمكن تحديد صحتها من ملاحظات ممكنة هي جملة لا معنى لها. وعلى الرغم من أن العقلانيين قد اعتقدوا أن هناك معاني في ذاتها، فإن التجريبيين في جميع العصور قد أكدوا أن المعنى يتوقف على القابلية للتحقيق. والواقع أن العلم الحديث إنما هو سجل حافل يؤيد هذا الرأي. ففي التحليل الذي قدمناه من قبل للمكان والزمان والعلية وميكانيكا الكوانتم، كان توقف المعنى على قابلية التحقيق واضحا، ولو لم يؤمن المرء بهذا الرأي لظلت الفيزياء الحديثة مستغلقة على فهمه. فنظرية المعنى من حيث هو قابلية التحقيق هي جزء لا يتجزأ من الفلسفة العلمية.
ولو قلنا: الجملة ذات معنى
the sentence is meaningful
لكان ذلك أفضل من قولنا الجملة لها معنى
the sentence has a meaning ؛ إذ إن الصيغة الأولى تظهر بمزيد من الوضوح أن المعنى صفة للعلامات وليس شيئا يضاف إليها. وترجع أهمية تجمعات العلامات ذات المعنى إلى أنها تتيح لنا الكلام عن حوادث لا نعرفها، ولا سيما حوادث المستقبل. فالأمر الذي يتيح الاستخدام النظري للمعرفة هو توسيع اللغة من جمل صحيحة إلى جمل ذات معنى، أي إن هذا التوسيع يتيح لمن يستخدم العلامات أن يصف عدة حوادث ممكنة، ويختار من بين صياغاته تلك التي يبدو أنها هي الأجدر بأن تعد صحيحة.
Halaman tidak diketahui