Permulaan Falsafah Ilmiah
نشأة الفلسفة العلمية
Genre-genre
1
تبدو لنا حقيقة معصومة من الخطأ، فلا يمكن استخلاصها من ملاحظات تجريبية، وإنما هي تفرض علينا بفعل رؤية نستطيع القيام به حتى عندما تكون عينا الجسم مغمضتين؛ وبهذه الصورة نستطيع التعبير عن مفهوم المعرفة الهندسية عند أفلاطون. وأيا ما كان رأينا في هذا المفهوم، فلا بد لنا من الاعتراف بأنه يكشف عن استبصار عميق بالمشكلات المنطقية للهندسة. وقد دافع «كانت» عن هذا الرأي، وإن يكن قد أدخل على صيغته بعض التحسينات، ولم يكن من الممكن في الواقع الاستعاضة عنه بفهم أقل غموضا منه إلا بعد أن أدت التطورات في القرن التاسع عشر إلى كشوف جديدة في ميدان الرياضيات، وهي كشوف أدت إلى استبعاد تفسيري «أفلاطون» و«كانت» للهندسة معا.
وينبغي أن ندرك أن أفعال الرؤية، عند أفلاطون، لا يمكنها تقديم معرفة إلينا إلا لأن الأشياء الفكرية (المثالية) موجودة. فالتوسع في مفهوم الوجود أساسي بالنسبة إليه؛ أي إنه لما كانت الأشياء المادية موجودة فمن الممكن أن ترى، ولما كانت الأفكار موجودة فمن الممكن أن ترى بعين العقل. ولا بد أن أفلاطون قد وصل إلى هذا الفهم نتيجة لحجة من هذا النوع، وإن لم يكن قد صاغ هذه الحجة صراحة؛ فهو يتصور الرؤية الرياضية على أنها مشابهة للإدراك الحسي، غير أن هذه هي النقطة التي نجد فيها أن منطق نظريته غير سليم، وذلك حتى لو حكمنا عليه بمعيار للنقد ملائم لعصره؛ ذلك لأنه يقدم إلينا تشبيها حيث كان يرمي إلى تقديم تفسير. ومن الواضح أن التشبيه ذاته غير صالح؛ فهو يمحو الفارق الباطن الذي يوجد بين المعرفة الرياضية والمعرفة التجريبية. وهو يتجاهل حقيقة واضحة، هي أن «رؤية» العلاقات الضرورية تختلف أساسا عن رؤية الموضوعات التجريبية؛ فالفيلسوف هنا يضع مجازا حيث كان ينبغي أن يضع تفسيرا، ويخترع عالما من الوجود المستقل «الأعلى»؛ لأنه يسير على أساس التشبيه بدلا من التحليل. وكما رأينا من قبل في الأمثلة التي قدمناها لفلسفات أخرى، فإن التأويل الحرفي لتشبيه ما، يصبح أصل سوء الفهم الفلسفي. وهكذا فإن نظرية المثل، بتعميمها لتصور الوجود، لا تأتينا إلا بتفسير وهمي.
وقد يحاول المفكر ذو النزعة الأفلاطونية أن يدافع عن نفسه بحجة من هذا القبيل: إن وجود الأفكار ينبغي ألا يساء تأويله؛ فليس من الضروري أن يكون وجودها من نفس نوع وجود الموضوعات التجريبية تماما. ألا يحق للفيلسوف أن يتخذ ألفاظا معينة مستمدة من اللغة اليومية، بمعنى أوسع إلى حد ما، إذا كان في حاجة إلى هذه الألفاظ؟
على أنني لا أعتقد أن هذه الحجة تتضمن دفاعا مقنعا عن المذهب الأفلاطوني. صحيح أن لغة العلم كثيرا ما تستعير ألفاظ الحياة اليومية؛ نظرا إلى تشابهها مع تصورات جديدة يحتاج إليها العالم. مثال ذلك أن لفظ «الطاقة» يستخدم في الفيزياء بمعنى مجرد مشابه إلى حد ما لمعناه في الحياة اليومية، غير أن إعادة استخدام الألفاظ على هذا النحو لا يكون أمرا مباحا إلا عندما يعرف المعنى الجديد بدقة، ويلتزم المرء في كل استخدام آخر للفظ بمعناه الجديد، لا بمشابهته مع المعنى القديم. فعالم الفيزياء الذي يتحدث عن طاقة الإشعاع الشمسي، لا يسمح لنفسه بأن يقول إن الشمس مليئة بالطاقة والنشاط، شأنها شأن الإنسان المليء بالطاقة والنشاط؛ إذ إن في هذه اللغة عودة إلى المعاني القديمة للفظ. على أن استخدام أفلاطون للفظ «الوجود» ليس من النوع العلمي. ولو كان كذلك، لعرفت القضية القائلة إن الموضوعات الفكرية (المثالية) موجودة، من خلال قضايا أخرى لا تنطوي على مثل هذا اللفظ المشكوك فيه، ولما استخدمت بطريقة مستقلة وكأن لها معنى مماثلا لمعنى الوجود المادي. ففي استطاعتنا تعريف وجود المثلث المثالي على أنه يعني أننا نستطيع التحدث عن المثلثات من خلال ما تنطوي عليه من مضمونات، أو لنضرب مثلا من ميدان الجبر، فنقول إننا نستطيع أن نصرح بأنه يوجد حل لكل معادلة جبرية تتعلق بمقدار مجهول، إذا كانت تفي بشروط معينة. في هذا الاستخدام يعني لفظ «يوجد» أننا نعرف كيف نجد الحل، ومثل هذا الاستخدام للفظ «الوجود» هو طريقة في الكلام لا ضرر منها، يلجأ إليها الرياضيون بالفعل في أحيان كثيرة. أما عندما يتحدث أفلاطون عن وجود المثل، فإن العبارة تعني أكثر - إلى حد بعيد - من مجرد تعبير يمكن ترجمته إلى معان مقررة.
إن ما يرمي إليه أفلاطون هو تقديم تفسير لإمكان معرفة الحقيقة الرياضية، ونظريته في المثل تقدم بوصفها تفسيرا لهذه المعرفة؛ أي إنه يعتقد أن وجود المثل يمكن أن يفسر معرفتنا للموضوعات الرياضية لأنه يتيح نوعا من إدراك الحقيقة الرياضية، بنفس المعنى الذي يتيح به وجود الشجرة إدراك شجرة. ومن الواضح أن تفسير وجود المثل على أنه أسلوب في الكلام فحسب لا يعنيه في شيء، ما دام سيعجز عن تعليل ذلك النوع من الإدراك الحسي الذي قال به بالنسبة إلى الموضوعات الرياضية، وبدلا من ذلك نراه يصل إلى تصور للوجود المثالي، يشتمل على خصائص الوجود المادي والمعرفة الرياضية معا، وهو مزيج عجيب من عنصرين متنافرين، ظل شبحه يخيم على اللغة الفلسفية منذ ذلك الحين.
ولقد ذكرت من قبل أن نهاية العلم تأتي عندما نعمل على إرضاء رغبتنا في المعرفة بتقديم تفسير وهمي، وعندما نخلط بين التشبيه والعمومية، ونستخدم مجازات بدلا من تصورات محددة بدقة؛ لذلك فإن نظرية المثل عند أفلاطون، شأنها شأن بقية النظريات الكسمولوجية في عصره، ليست علما وإنما هي شعر؛ فهي نتاج للخيال، لا للتحليل المنطقي. والواقع أن أفلاطون لم يتردد، عندما توسع في عرض نظريته فيما بعد، في التعبير صراحة عن اتجاهه الفكري الذي كان صوفيا أكثر منه منطقيا؛ فهو يربط بين نظريته في المثل وبين فكرة تناسخ الأرواح.
هذا التحول يحدث في محاورة «مينو» الأفلاطونية؛ ففي هذه المحاورة يسعى سقراط إلى تفسير طبيعة المعرفة الهندسية، ويوضحها بتجربة يجربها على عبد صغير، لم يتلق تعليما منظما في الرياضيات ، ويبدو أنه يستخلص منه برهانا هندسيا؛ فهو لا يشرح للصبي العلاقات الرياضية المستخدمة في الحل، وإنما يجعله «يراها» عن طريق توجيه أسئلة إليه. ويتخذ أفلاطون من هذا الموقف الطريف مثلا للاستبصار العقلي بالحقيقة الهندسية، وللمعرفة الفطرية غير المستمدة من التجربة. هذا التفسير، وإن لم يكن مقبولا من وجهة النظر الحديثة، كان في عصر أفلاطون دليلا كافيا على فكرة رؤية المثل، غير أن أفلاطون لا يكتفي بهذه النتيجة، وإنما يود أن يمضي في التفسير أبعد من ذلك، وأن يفسر إمكان المعرفة الفطرية. وفي هذا السياق يعرب سقراط عن الرأي القائل إن المعرفة الفطرية تذكر لرؤية المثل، كان لدى الناس في «حيوات» سابقة عاشتها أرواحهم؛ فقد كانت من بين هذه الحيوات حياة في «السماء التي تعلو على السموات»، كانت المثل ترى فيها. وهكذا يلجأ أفلاطون إلى الأسطورة لكي «يفسر» معرفة المثل. وإنه لمن الصعب أن نقتنع بإمكان حدوث هذه الرؤية للمثل في حياة سابقة إن كانت مستحيلة في حياتنا الحاضرة، أو أن نقتنع بضرورة القول بنظرية للتذكر إن كانت هناك رؤية للمثل في حياتنا الحاضرة.
إن التشبيه الشعري لا يكترث بالمنطق؛ ففي الأساطير اليونانية أثير السؤال عن سبب عدم سقوط الأرض في المكان اللانهائي، وكان الجواب هو أن عملاقا، يسمى أطلس، يحمل الكرة الأرضية على كتفيه. والواقع أن نظرية التذكر عند أفلاطون ذات قدرة تفسيرية تكاد تماثل هذه القصة، من حيث إنها تكتفي بأن تنقل أصل معرفة المثل من حياة إلى أخرى. ولم يكن مذهب أفلاطون في الكونيات (الكسمولوجيا)، كما عرضه في محاورة «طيماوس»، يختلف عن هذه الأسطورة الساذجة إلا في استخدامه لغة تجريدية؛ فهو ينبئنا مثلا بأن الوجود كان موجودا قبل تكون الكون. ولا شك أن غموض اللغة هو وحده الذي يقنع الفيلسوف بأن يتبين حكمة عميقة في هذه الكلمات التي تذكرنا، لو اختبرناها بدقة، بابتسامة قطة «تشيشاير
Cheshire »،
Halaman tidak diketahui