Permulaan Falsafah Ilmiah
نشأة الفلسفة العلمية
Genre-genre
وإني لأود أن أعرب عن الأمل في أن تؤدي هذه الصياغة التي قدمتها إلى فتح باب التفاهم مع الفلاسفة البرجماتيين الذين يؤكدون وجود أخلاق علمية. فالفارق بين صياغتهم وبين صياغتي ليس إلا فارقا لفظيا عندما يكون المقصود من تعبير «الأخلاق العلمية» أن يدل على أخلاق تستخدم المنهج العلمي في إثبات علاقات اللزوم بين الغايات والوسائل. وربما كان هذا هو كل ما يريد البرجماتيون أن يقولوه، ومع ذلك فسوف يكون من دواعي سروري العظيم أن أجد في كتابات البرجماتيين عبارة واضحة تدل على أنهم يحملون صراحة على جميع محاولات إثبات صحة الأهداف الأولية بوسائل معرفية، على أساس أنها محاولات غير علمية؛ فالبرجماتي يتحدث عن حاجات بشرية، ولكن وجود حاجات للناس لا يثبت أن هذه الحاجات خير. فإذا كان من الممكن الاستدلال على هذه الحاجات أو الأهداف من سلوك الإنسان، فقد يكون من المفيد إلى أبعد حد ذكر هذه الأهداف صراحة، ولكن من يقدم نصيحة يقصد منها إيضاح الحاجات وإشباعها ينم، من خلال سلوكه هو، على أنه لا يكتفي بأن يعد هذه الحاجات موجودة فحسب، بل هو يعدها خيرا. فإذا ظهر بوضوح أن لفظ «خير» المستخدم هنا يعني أن مقدم النصح يؤيد الأهداف التي كشف عنها، فإن من الواجب الترحيب بالبرجماتي حين يقوم بمهمة تقديم النصح الأخلاقي.
ولكن قد يحدث مثلا أن يصر من يقدم النصح، مع اعترافه بهذا التفسير صراحة، على ضرورة التزام الطبيب لسر مهنته، ما دام مما يضر بهدف الطبيب في شفاء المرضى ألا يكون المرضى واثقين من أن تاريخ أحوالهم الشخصية سيظل طي الكتمان. أو قد يقول إن البحث العلمي، وإن كان معرفيا تماما في منهجه، فإنه سعي وراء أهداف تنطوي في داخلها على التزامات اجتماعية، فالبحث عن الحقيقة لا يقدر له النجاح إلا في جو من الحرية والأمانة، والعالم الذي لا يكون على استعداد للدفاع عن هذه المصادرات الأخلاقية يعمل لغير صالح أبحاثه الخاصة . وهذه الحجة لا تعني أن النظريات العلمية تنطوي على أوامر أخلاقية، بل تعني أن الأهداف الأخلاقية التي يدل عليها نشاط العلم تنطوي على أوامر كهذه.
والواقع أن بناء أخلاق اجتماعية من هذا النوع إنما هو إسهام قيم يساعد الكيان الاجتماعي على أداء وظيفته؛ فهو يعني استخدام علم الاجتماع في وضع قواعد للسلوك مناسبة لمكانة الشخص في المجتمع البشري. وليس لدي اعتراض على تسمية هذا النظام الأخلاقي بالأخلاق العلمية، إن كان هناك اتفاق على أنه ليس علما. فهو علمي بنفس المعنى الذي يكون به الطب وصناعة الآلات علميين، وهو نوع من هندسة المجتمع، أي إنه نشاط ينتفع بواسطته من نتائج العلم المعرفي في سبيل تحقيق الأهداف البشرية. أما هذه الأهداف ذاتها فلا تثبت صحتها المعرفة ولا العلم، وإنما هي تعبر عن قرارات إرادية، وليس في وسع أي عالم أن يعفي أي شخص من مسئولية الاستماع إلى صوت إرادته، بل إن العالم لا يستطيع أن يقدم نصيحة أخلاقية بدون الاستماع إلى صوت إرادته هو؛ فهو حين يقوم بمهمة المرشد الأخلاقي يتجاوز نطاق العلم وينضم إلى أولئك الذين يشكلون المجتمع البشري تبعا لأنموذج يعتقدون أنه هو الصحيح.
إن الفلسفة العلمية لا تستطيع أن تقدم توجيها أخلاقيا، هذه إحدى نتائج تلك الفلسفة، وهي نتيجة لا يمكن أن تؤخذ عليها. فهل تريد الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة؟ إذن لا تطلب من الفيلسوف توجيهات أخلاقية. أما أولئك الفلاسفة الذين يبدون استعدادهم لاستخلاص توجيهات أخلاقية من فلسفاتهم فلا يقدمون إليك إلا دليلا باطلا. فلا تسع إلى أهداف يستحيل بلوغها.
وعلى ذلك فإن الإجابة على طلب التوجيهات الأخلاقية هي نفس الإجابة على طلب اليقين ؛ فكلاهما يطلب غايات لا يمكن بلوغها. ويمكن القول إن الفلسفة العلمية الحديثة، حين أوضحت أن هذه الأهداف لا يمكن بلوغها لأسباب منطقية، قد وصلت إلى نتيجة معرفية لها أهمية عظمى في توجيه الإنسان إزاء الأهداف الفلسفية التقليدية؛ فهي تطالبنا بالتخلي عن هذه الأهداف. ولكن التخلي عن المستحيل لا يعني الاستسلام، بل إن الحقيقة السلبية تستدعي توجيها إيجابيا هو: كيف أهدافك مع ما يمكن بلوغه. هذا التوجيه يترتب على رغبة المرء في بلوغ أهدافه؛ فهو يعبر عن علاقة لزوم واضحة كل الوضوح، هي: إذا أردت أن تبلغ أهدافك، فلا تسع إلى أهداف يستحيل بلوغها.
لقد كان معبد «ديلوس» في اليونان القديمة يضم مذبحا ذهبيا له شكل مكعب عظيم الدقة، وحدث في وقت ما أن تفشى الوباء، والتمس أهل ديلوس المشورة في النبوءات، فقيل لهم إن عليهم، من أجل إرضاء آلهتهم، أن يضاعفوا حجم المذبح الذهبي بدقة، بحيث يكون له مرة أخرى شكل المكعب. وتوجه الكهنة إلى الرياضيين بالسؤال عن كيفية حساب طول ضلع المكعب الذي يكون حجمه ضعف مكعب معلوم، ولكن الرياضيين عجزوا عن الاهتداء إلى حل صحيح للمشكلة، وأنا على ثقة من أن إلها كآلهة اليونان كان خليقا بأن يكتفي بمكعب يقترب من ضعف الحجم المطلوب، ومن المؤكد أنه كان في استطاعة صائغ يوناني أن يقرب كل الاقتراب من الحجم المطلوب. غير أن الرياضيين اليونانيين ما كانوا ليقبلوا حلا ناقصا كهذا، وإنما أرادوا الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، وقد استغرق الاهتداء إلى الجواب الصحيح ألفي عام، وكان ذلك الجواب الصحيح سلبيا؛ فمن المستحيل مضاعفة حجم مكعب معين بدقة، عن طريق الوسائل الهندسية بمعناها المعتاد، فهل كان الرياضيون اليونانيون خليقين بأن يرفضوا هذه الإجابة لأنها سلبية؟ إن على من يريد الحقيقة ألا يخيب أمله عندما تكون الحقيقة سلبية. فخير للمرء أن يعرف حقيقة سلبية، من أن يطلب ما يستحيل بلوغه.
إن من المستحيل أن تكون للمرء معرفة بالعالم يكون لها يقين الحقيقة الرياضية، ومن المستحيل وضع توجيهات أخلاقية تكون لها تلك الموضوعية الملزمة التي تتصف بها الحقيقة الرياضية، أو حتى الحقيقة التجريبية. هذه إحدى الحقائق التي كشفت عنها الفلسفة العلمية؛ فحل مشكلة اليقين المطلق، فضلا عن حل مشكلة تشييد أخلاق على مثال المعرفة، هو حل سلبي، وهذه هي الإجابة الحديثة على سؤال قديم العهد. فإذا قال امرؤ إن الفلسفة العلمية قد خيبت أمله لأنها لا تأتيه باليقين، أو لا تقدم توجيهات أخلاقية، فلترو له قصة مكعب أهل ديلوس.
إن المقارنة بين الفلسفة القديمة والجديدة مسألة تخص المؤرخ؛ ولا بد أن تكون لها أهميتها عند كل من نشئوا في ظل الفلسفة القديمة ويودون أن يفهموا الفلسفة الجديدة. أما أولئك الذين يعملون في ميدان الفلسفة الجديدة فلا ينظرون إلى الوراء؛ إذ إن الاعتبارات التاريخية لن تفيد عملهم في شيء؛ فهم يماثلون أفلاطون أو «كانت» في ابتعادهما عن التاريخ؛ إذ إنهم لا يهتمون، شأنهم شأن هذين القطبين في فترة سابقة للفلسفة، إلا بالموضوع الذي يشتغلون به، لا بعلاقاته بالعهود الماضية. وليس معنى ذلك أنني أود الإقلال من شأن تاريخ الفلسفة، ولكن على المرء أن يذكر دائما أن هذا تاريخ، وليس فلسفة. ومن الواجب أن يتم البحث فيه، كما يتم كل بحث تاريخي آخر، من خلال المناهج العلمية والتفسيرات النفسية والاجتماعية، غير أن تاريخ الفلسفة لا ينبغي أن يعرض بوصفه مجموعة من الحقائق. ففي الفلسفة التقليدية من الخطأ أكثر مما فيها من الصواب، وعلى ذلك فإن أصحاب العقول النقدية هم وحدهم الذين يمكن أن يكونوا مؤرخين أكفاء. أما تمجيد الفلسفات الماضية، وعرض مختلف المذاهب كما لو كانت صيغا مختلفة للحكمة، لكل منها الحق في أن يوصف بهذه الصفة، فإنه أدى إلى إضعاف المقدرة الفلسفية لدى الجيل الحالي. وهو قد شجع الطالب على أن يأخذ بالنسبية الفلسفية، ويعتقد بأنه لا توجد إلا آراء فلسفية، ولكن لا توجد حقيقة فلسفية.
أما الفلسفة العلمية فإنها تحاول الابتعاد عن النزعة التاريخية والوصول عن طريق التحليل المنطقي إلى نتائج تبلغ من الدقة والإحكام والوثوق ما تبلغه نتائج العلم في عصرنا هذا. وهي تؤكد أن من الضروري إثارة مشكلة الحقيقة في الفلسفة بنفس المعنى الذي تثار به في العلوم. وهي لا تزعم أنها تملك حقيقة مطلقة؛ إذ إنها تنكر أن تكون للمعرفة التجريبية حقيقة من هذا النوع. وعلى قدر إشارة الفلسفة الجديدة إلى الحالة الراهنة للمعرفة، واستخلاصها لنظرية هذه المعرفة الموجودة الآن، فإنها هي ذاتها تعد فلسفة تجريبية، وتقنع بالحقيقة التجريبية. فليس في وسع الفيلسوف العلمي، شأنه شأن العالم، إلا أن يبحث عن أفضل ترجيحاته. ولكن ذلك هو ما يستطيع أداءه، وهو على استعداد لأدائه بروح المثابرة والنقد الذاتي والترحيب بالمحاولات الجديدة، التي لا غناء عنها للعمل العلمي، ولو عمل الناس على تصويب الخطأ كلما تكشف لهم بطلانه، لكان طريق الخطأ هو ذاته طريق الحقيقة.
Halaman tidak diketahui