Naqd Kitab Islam Wa Usul Hukm
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
Genre-genre
ولما تضعضعت دولة المرابطين بمراكش وشغلوا بحروبهم مع الموحدين اضطربت عليهم الأندلس، ورجعت دولتها إلى افتراق؛ فبسط العدو إليها يده؛ انتهازا لفرصة التفرق حتى أصبح صاحب دولة مراكش عبد المؤمن بن علي الذي يقول فيه الشاعر:
ما هز عطفيه بين البيض والأسل
مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي
فأجاز إلى الأندلس، وأخذ يحارب العدو، وجرى على أثره ابنه يوسف ثم ابنه يعقوب، حتى حفظوا من عز الإسلام ما أضاعه تفرق البلاد تحت رايات شتى، ولم تسقط الأندلس إلا حين فقدت الوحدة السياسية، ولم يكن بالقرب منها دولة ذات قوة وعزم تنقذها من ذلك الخطر المحيط.
ولو أن المتأخرين من سلاطين آل عثمان أعطوا للخلافة شيئا من حقوقها، وراعوا ما أمر الله به من وسائل استقامتها لما انفرط عقد هذه الممالك الإسلامية، وأصبح كل قطعة منها تحت سلطة أجنبية تستبد عليها في حكمها، وتتصرف في رقاب شعوبها وأموالهم كيف تشاء، فالخلافة لا تزيد على ما يسمى دولة، إلا أنها رابطة سياسية تجعل شعوبا مختلفي العناصر والقومية يولون وجوههم شطر رايتها بعاطفة من أنفسهم واختيار، ومن هذه الجهة ينظر إليها بغاة الاستعمار بعين عابسة، ويحاول الغر الذي ينخدع ببهرج آرائهم أن يطوي رايتها ، ويمحو أثرها.
وأما قوله: «وإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد.» فكلمة هو قائلها والتاريخ من ورائه محيط.
الخلافة قامت بالدعوة إلى دين القيمة، ومدت ظل الإسلام في أقاليم بعيدة ما بين المناكب، فأصبحت كلمته العليا، وأصبح المسلمون في عز شامخ، وحياة راضية.
فتحت الخلافة أوطانا كثيرة فأذاقتها حلاوة العدل بعد أن كانت تتجرع غصص الجور والاستعباد، وضربت فيها بأشعة التوحيد الخالص بعد أن كانت تتخبط في ظلمات الحيرة والضلال، وألبستها حلل الآداب الراقية بعد أن كانت منغمسة في عادات وتقاليد تشمئز منها النفوس المطمئنة، وتمجها الأذواق السليمة، ونسقتها بفضل الإسلام في تآلف واتحاد بعد أن كانت في تخاذل وشقاق.
أفلم يكن قسم عظيم من آسيا وإفريقية يصلى نار الوثنية بكرة وعشيا، ويتبرج في مظاهر الهمجية تبرج الجاهلية الأولى، فكان من أثر الخلافة وما قامت به من الدعوة أن قلبت تلك النار إلى إيمان صادق، ووضعت مكان الخلاعة والهمجية حياء ونظاما؟
أينكر المؤلف أن استقامة رجال الخلافة وسمعة سيرتهم العادلة كانت كالدعاية تتقدمهم إلى تلك الممالك، فلم يجدوا في فتحها ما تجده الفئة القليلة عند لقاء الفئة الكثيرة من طول المصابرة والثبات؟
Halaman tidak diketahui