Naqd Kitab Islam Wa Usul Hukm
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
Genre-genre
وقال الإمام أحمد: «ما كان من القوم من بيعة عثمان كانت بإجماعهم .»
30
وأما علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فمبايعته لم تكن تحت رهبة قط، ولا قامت تحت ظلال السيوف، كما يزعم المؤلف، بل «إن المهاجرين والأنصار اجتمعوا بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - وأتوا عليا وقالوا: يا أبا حسن، هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم. أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا والله، فقالوا: ما نختار غيرك. ثم اختلفوا إليه مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلا بأمره، وقد طال الأمر،
31
وفي رواية أخرى أنه قال لهم: لا تفعلوا؛ فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد؛ فإن بيعتي لا تكون خفيا، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين، وقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه، وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس.»
32
فمقصد الشارع من إقامة الخلافة على رضا أهل الحل والعقد قد تحقق في ولاية الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - وسواء بعد ذلك أن تبايع الخليفة الخاصة ثم تبايعه العامة كما وقع في ولاية الصديق وعثمان بن عفان، أو يعهد له الخليفة ويقع عهده موقع القبول، ويعزز بمبايعة أهل الحل والعقد بعد كما وقع في ولاية الفاروق، أو يبايع مبايعة عامة في آن واحد كما وقع في ولاية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.
ولماذا لا يكون من المعقول أن توجد خلافة قائمة على اختيار أهل الحل والعقد، وهو أمر يرجع إلى قوة إرادة الأمة، ولقوة الإرادة في حياة الأمم وتمتعها بحقوقها تأثير بالغ وسلطان غالب.
مما يشهد به النظر وتؤيده التجربة أن الأمة متى كانت على بصيرة من حق، وعرفت الطريق الهادي إليه لم تنشب أن ينقلب تفكيرها فيه عزما صارما، وتقتحم كل عقبة تعترض في سبيلها، وإذا سمعت أمة تذكر غاية من العز وهي لا تتقدم إليها بخطوات سريعة، أو سمعتها تبدي الأسف لحق انفلت من يدها وهي لا تنشده بسعي متواصل؛ فاعلم أنها لا تزال في طور الأماني والآمال، ولم يبلغ إحساسها بتلك الغاية الشريفة أو ذلك الحق الضائع مبلغ الإرادة.
تعرف كل قوة وإن كانت مسلحة أن إرادة الأمة قلاع لا تفتح، وجيش لا ينهزم، فلا يكون منها إلا أن تخضع أمام سلطانها، وتعصى داعي الأهواء في مرضاتها، ولا يضطهد المستبد حقوق القوم إلا أن يفهم أن إحساسهم بها لا يزال معدوما، أو أن شمل إرادتهم ما برح في تخاذل وشتات.
Halaman tidak diketahui